لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير
[ ص: 290 ] استئناف ابتدائي لتحقيق ما اقتضاه قوله : وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، فقد كان المشركون يومئذ لم يزالوا في قوة وكثرة ، وكان المسلمون لم يزالوا يخافون بأسهم فربما كان الوعد بالأمن من بأسهم متلقى بالتعجب والاستبطاء الشبيه بالتردد فجاء قوله : لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض تطمينا وتسلية .
والخطاب لمن قد يخامره التعجب والاستبطاء دون تعيين .
والمقصود من النهي عن هذا الحسبان التنبيه على تحقيق الخبر .
وقراءة الجمهور ( تحسبن ) بتاء الخطاب . وقرأ ابن عامر وحمزة وحده بياء الغيبة فصار ( الذين كفروا ) فاعل ( يحسبن ) فيبقى لـ ( يحسبن ) مفعول واحد هو ( معجزين ) . فقال أبو حاتم والنحاس : هي خطأ أو ضعيفة ; لأن فعل الحسبان يقتضي مفعولين . وهذا القول جرأة على قراءة متواترة . وقال والفراء : المفعول الأول محذوف تقديره : أنفسهم ، وقد وفق ; لأن الحذف ليس بعزيز في الكلام . وفي الكشاف أن ( في الأرض ) هو المفعول الثاني ، أي لا يحسبوا ناسا معجزين في الأرض ( يعني ما من كائن في الأرض إلا وهو في متناول قدرة الله إن شاء أخذه ، أي فلا ملجأ لهم في الأرض كلها ) قال : ( وهذا معنى قوي جيد ) . الزجاج
والمعجز : الذي يعجز غيره ، أي : يجعله عاجزا عن غلبه . وقد تقدم عند قوله تعالى : إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين في سورة الأنعام . وكذلك المعاجز بمعنى المحاول عجز ضده تقدم في قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا معاجزين في سورة الحج .
والأرض : هي أرض الدنيا ، أي هم غير غالبين في الدنيا كما حسبوا أنه ليس ثمة عالم آخر . و ( في الأرض ) متعلق بـ ( معجزين ) على قراءة الجمهور وعلى بعض التوجيهات من قراءة حمزة وابن عامر ، أو هو مفعول ثان على بعض التوجيهات كما علمت .
[ ص: 291 ] وقوله : ( ومأواهم النار ) أي هم في الآخرة معلوم أن مأواهم النار فقد خسروا الدارين .