قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين استئناف بياني ; لأن ما حكي من صد الملأ الناس عند اتباعه وإشاعتهم عنه أنه مفتر على الله وتلفيقهم الحجج الباطلة على ذلك مما يثير سؤال سائل عما [ ص: 58 ] كان من شأنه وشأنهم بعد ذلك ، فيجاب بأنه توجه إلى الله الذي أرسله بالدعاء بأن ينصره عليهم . وتقدم القول في نظيره آنفا في قصة نوح .
وجاء جواب دعاء هذا الرسول غير معطوف ; لأنه جرى على أسلوب حكاية المحاورات الذي بيناه في مواضع منها قوله : قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في سورة البقرة .
و ( عما قليل ) أفاد حرف ( عن ) المجاوزة ، أي : مجاوزة معنى متعلقها الاسم المجرور بها . ويكثر أن تفيد مجاوزة معنى متعلقها الاسم المجرور بها فينشأ منها معنى ( بعد ) نحو لتركبن طبقا عن طبق فيقال : إنها تجيء بمعنى ( بعد ) كما ذكره النحاة وهم جروا على الظاهر وتفسير المعنى إذ لا يكون حرف بمعنى اسم ، فإن معاني الحروف ناقصة ومعاني الأسماء تامة . فمعنى عما قليل ليصبحن نادمين : أن إصباحهم نادمين يتجاوز زمنا قليل ، أي : من زمان التكلم وهو تجاوز مجازي بحرف ( عن ) مستعار لمعنى ( بعد ) استعارة تبعية .
و ( ما ) زائدة للتوكيد .
و ( قليل ) صفة لموصوف محذوف دل عليه السياق أو فعل الإصباح الذي هو من أفعال الزمن فوعد الله هذا الرسول نصرا عاجلا .
وندمهم يكون عند رؤية مبدأ الاستئصال ولا ينفعهم ندمهم بعد حلول العذاب .
والإصباح هنا مراد به زمن الصباح لا معنى الصيرورة بدليل قوله في سورة الحجر : فأخذتهم الصيحة مصبحين .