وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا
لما أبر الله وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الذي وعده المشركين أن يبين لهم أمر أهل الكهف فأوحاه إليه ، وأوقفهم عليه ، أعقب ذلك بعتابه على [ ص: 299 ] التصدي لمجاراتهم في السؤال عما هو خارج عن غرض الرسالة دون إذن من الله ، وأمره أن يذكر نهي ربه ، ويعزم على تدريب نفسه على إمساك الوعد ببيان ما يسأل منه بيانه دون أن يأذنه الله به ، أمره هنا أن يخبر سائليه بأنه ما بعث للاشتغال بمثل ذلك ، وأنه يرجو أن الله يهديه إلى ما هو أقرب إلى الرشد من بيان أمثال هذه القصة ، وإن كانت هذه القصة تشتمل على موعظة وهدى ، ولكن الهدى الذي في بيان الشريعة أعظم وأهم ، والمعنى : وقل لهم عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا .
وجملة وقل عسى أن يهديني إلخ معطوفة على جملة فلا تمار فيهم ، ويجوز أن تكون جملة وقل عسى أن يهديني ربي عطفا على جملة واذكر ربك إذا نسيت ، أي اذكر أمره ونهيه وقل في نفسك : عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ، أي ادع الله بهذا .
وانتصب " رشدا " على تمييز نسبة التفضيل من قوله لأقرب من هذا ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول مطلق مبين لنوع فعل " أن يهديني " ; لأن الرشد نوع من الهداية .
فـ " عسى " مستعملة في الرجاء تأدبا ، واسم الإشارة عائد إلى المذكور من قصة أهل الكهف بقرينة وقوع هذا الكلام معترضا في أثنائها .
ويجوز أن يكون المعنى : وارج من الله أن يهديك فيذكرك أن لا تعد وعدا ببيان شيء دون إذن الله .
والرشد بفتحتين : الهدى والخير ، وقد تقدم القول فيه عند قوله تعالى في هذه السورة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .