الخطاب لغير معين ، أي لو اطلعت عليهم أيها السامع حين كانوا في تلك الحالة قبل أن يبعثهم الله ، إذ ليس في الكلام أنهم لم يزالوا كذلك زمن نزول الآية .
[ ص: 282 ] والمعنى : لو اطلعت عليهم ، ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصا قطاعا للطريق ، إذ هم عدد في كهف ، وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق ، كما قال تأبط شرا :
أقول للحيان وقد صفرت لهم وطابي ويومي ضيق الجحر معور
ففررت منهم ، وملكك الرعب من شرهم ، كقوله تعالى نكرهم وأوجس منهم خيفة ، وليس المراد الرعب من ذواتهم ; إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس ، ولا الخوف من كونهم أمواتا ، إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب ، على أنه قد سبق وتحسبهم أيقاظا وهم رقود .والاطلاع : الإشراف على الشيء ، ورؤيته من مكان مرتفع ; لأنه افتعال من طلع إذا ارتقى جبلا ، فصيغ الافتعال للمبالغة في الارتقاء ، وضمن معنى الإشراف فعدي بـ ( على ) ، ثم استعمل مجازا مشهورا في رؤية الشيء الذي لا يراه أحد ، وسيأتي ذكر هذا الفعل عند قوله تعالى أطلع الغيب في سورة مريم ، فضلا عن أن يكون الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم ، وفي الكشاف عن ما يقتضي ذلك وليس بصحيح . ابن عباس
وانتصب فرارا على المفعول المطلق المبين لنوع وليت .
و ( ملئت ) مبني للمجهول ، أي ملأك الرعب ، وملأ - بتشديد اللام - مضاعف ملأ ، وقرئ بهما .
والملء : كون المظروف حالا في جميع فراغ الظرف بحيث لا تبقى في الظرف سعة لزيادة شيء من المظروف ، فمثلت الصفة النفسية بالمظروف ، ومثل عقل الإنسان بالظرف ، ومثل تمكن الصفة من النفس بحيث لا يخالطها تفكير في غيرها بملء الظرف بالمظروف ، فكان في قوله " ملئت " استعارة تمثيلية ، وعكسه قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا .
[ ص: 283 ] وانتصب " رعبا " على تمييز النسبة المحول عن الفاعل في المعنى ; لأن الرعب هو الذي يملأ ، فلما بني الفعل إلى المجهول ; لقصد الإجمال ثم التفصيل صار ما حقه أن يكون فاعلا تمييزا ، وهو إسناد بديع حصل منه التفصيل بعد الإجمال ، وليس تمييزا محولا عن المفعول كما قد يلوح بادئ الرأي .
والرعب تقدم في قوله تعالى سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب في سورة آل عمران .
وقرأ نافع وابن كثير ( ولملئت ) بتشديد اللام على المبالغة في الملء ، وقرأ الباقون بتخفيف اللام على الأصل .
وقرأ الجمهور " رعبا " بسكون العين ، وقرأه ابن عامر والكسائي وأبو جعفر ويعقوب بضم العين .