ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا
لا شك أن لهذه الجملة اتصالا بجملة قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن يؤيد ما تقدم في وجه اتصال قوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن بالآيات التي قبله ، فقد كان ذلك بسبب جهر النبيء صلى الله عليه وسلم في دعائه باسم الرحمن .
والصلاة : تحتمل الدعاء ، وتحتمل العبادة المعروفة ، وقد فسرها السلف هنا بالمعنيين ، ومعلوم أن من فسر الصلاة بالعبادة المعروفة فإنما أراد قراءتها خاصة ; لأنها التي توصف بالجهر والمخافتة .
وعلى كلا الاحتمالين فقد جهر النبيء صلى الله عليه وسلم بذكر الرحمن ، فقال فريق من المشركين : ما الرحمن ؟ وقالوا : إن محمدا يدعو إلهين ، وقام فريق منهم يسب القرآن ، ومن جاء به ، أو يسب الرحمن ظنا [ ص: 238 ] أنه رب آخر غير الله تعالى ، وغير آلهتهم ، فأمر الله رسوله أن لا يجهر بدعائه ، أو لا يجهر بقراءة صلاته في الصلاة الجهرية .
ولعل سفهاء المشركين توهموا من صدع النبيء صلى الله عليه وسلم بالقراءة أو بالدعاء أنه يريد بذلك التحكك بهم ، والتطاول عليهم بذكر الله تعالى مجردا عن ذكر آلهتهم فاغتاظوا وسبوا ، فأمره الله تعالى بأن لا يجهر بصلاته هذا الجهر ; تجنبا لما من شأنه أن يثير حفائظهم ، ويزيد تصلبهم في كفرهم في حين أن المقصود تليين قلوبهم .
والمقصود من الكلام النهي عن شدة الجهر .
وأما قوله تعالى ولا تخافت بها فالمقصود منه الاحتراس ; لكيلا يجعل دعاءه سرا أو صلاته كلها سرا ، فلا يبلغ أسماع المتهيئين للاهتداء به ; لأن المقصود من النهي عن الجهر تجنب جهر يتوهم منه الكفار تحككا أو تطاولا كما قلنا .
والجهر : قوة صوت الناطق بالكلام .
والمخافتة مفاعلة : من خفت بكلامه ، إذا أسر به ، وصيغة المفاعلة مستعملة في معنى الشدة ، أي لا تسرها .
وقوله ذلك إشارة إلى المذكور ، أي المعلومين من فعلي " تجهر " و " تخافت " أي اطلب سبيلا بين الأمرين ; ليحصل المقصود من إسماع الناس القرآن ، وينتفي توهم قصد التطاول عليهم . الجهر والمخافتة