[ ص: 63 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=28988_29703انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا لما كان العطاء المبذول للفريقين هو عطاء الدنيا ، وكان الناس مفضلين فيه على وجه يدركون حكمته ; لفت الله لذلك نظر نبيه عليه الصلاة والسلام لفت اعتبار وتدبر ، ثم ذكره بأن عطاء الآخرة أعظم عطاء ، وقد فضل الله به المؤمنين .
والأمر بالنظر موجه إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ترفيعا في درجات علمه ، ويحصل به توجيه العبرة إلى غيره .
والنظر حقيقته توجه آلة الحس البصري إلى المبصر ، وقد شاع في كلام العرب استعماله في النظر المصحوب بالتدبر ، وتكرير مشاهدة أشياء في غرض ما ، فيقوم مقام الظن ، ويستعمل استعماله بهذا الاعتبار ، ولذلك شاع إطلاق النظر في علم الكلام على الفكر المؤدي إلى علم أو ظن ، وهو هنا كذلك ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=50انظر كيف يفترون على الله الكذب في سورة النساء .
و ( كيف ) اسم استفهام مستعمل في التنبيه ، وهو معلق فعل انظر عن العمل في المفعولين ، والمراد : التفضيل في عطاء الدنيا ; لأنه الذي يدركه التأمل ، والنظر وبقرينة مقابلته بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21وللآخرة أكبر درجات .
والمقصود من هذا التنظير التنبيه إلى أن عطاء الدنيا غير منوط بصلاح الأعمال ، ألا ترى إلى ما فيه من تفاضل بين أهل العمل المتحد ، وقد يفضل المسلم فيه الكافر ، ويفضل الكافر المسلم ، ويفضل بعض المسلمين بعضا ، وبعض الكفرة بعضا ، وكفاك بذلك هاديا إلى أن مناط عطاء الدنيا أسباب ليست من وادي العمل الصالح ، ولا مما يساق إلى النفوس الخيرة .
[ ص: 64 ] ونصب درجات ، وتفضيلا على التمييز لنسبة أكبر في الموضعين ، والمفضل عليه هو عطاء الدنيا .
والدرجات مستعارة لعظمة الشرف ، والتفضيل : إعطاء الفضل ، وهو الجدة والنعمة ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342063ويتصدقون بفضول أموالهم ، والمعنى : النعمة في الآخرة أعظم من نعم الدنيا .
[ ص: 63 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=28988_29703انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا لَمَّا كَانَ الْعَطَاءُ الْمَبْذُولُ لِلْفَرِيقَيْنِ هُوَ عَطَاءَ الدُّنْيَا ، وَكَانَ النَّاسُ مُفَضَّلِينَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُدْرِكُونَ حِكْمَتَهُ ; لَفَتَ اللَّهُ لِذَلِكَ نَظَرَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَفْتَ اعْتِبَارٍ وَتَدَبُّرٍ ، ثُمَّ ذَكَّرَهُ بِأَنَّ عَطَاءَ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ عَطَاءٍ ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالْأَمْرُ بِالنَّظَرِ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْفِيعًا فِي دَرَجَاتِ عِلْمِهِ ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَوْجِيهُ الْعِبْرَةِ إِلَى غَيْرِهِ .
وَالنَّظَرُ حَقِيقَتُهُ تَوَجُّهُ آلَةِ الْحِسِّ الْبَصَرِيِّ إِلَى الْمُبْصِرِ ، وَقَدْ شَاعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي النَّظَرِ الْمَصْحُوبِ بِالتَّدَبُّرِ ، وَتَكْرِيرِ مُشَاهَدَةِ أَشْيَاءَ فِي غَرَضٍ مَا ، فَيَقُومُ مَقَامَ الظَّنِّ ، وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَلِذَلِكَ شَاعَ إِطْلَاقُ النَّظَرِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى الْفِكْرِ الْمُؤَدِّي إِلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=50انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .
وَ ( كَيْفَ ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ ، وَهُوَ مُعَلِّقٌ فِعْلَ انْظُرْ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولَيْنِ ، وَالْمُرَادُ : التَّفْضِيلُ فِي عَطَاءِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُدْرِكُهُ التَّأَمُّلُ ، وَالنَّظَرُ وَبِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّنْظِيرِ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ عَطَاءَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَنُوطٍ بِصَلَاحِ الْأَعْمَالِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفَاضُلٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعَمَلِ الْمُتَّحِدِ ، وَقَدْ يَفْضُلُ الْمُسْلِمُ فِيهِ الْكَافِرَ ، وَيَفْضُلُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ، وَيَفْضُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا ، وَبَعْضُ الْكَفَرَةِ بَعْضًا ، وَكَفَاكَ بِذَلِكَ هَادِيًا إِلَى أَنَّ مَنَاطَ عَطَاءِ الدُّنْيَا أَسْبَابٌ لَيْسَتْ مِنْ وَادِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَلَا مِمَّا يُسَاقُ إِلَى النُّفُوسِ الْخَيِّرَةِ .
[ ص: 64 ] وَنَصْبُ دَرَجَاتٍ ، وَتَفْضِيلًا عَلَى التَّمْيِيزِ لِنِسْبَةٍ أَكْبَرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ هُوَ عَطَاءُ الدُّنْيَا .
وَالدَّرَجَاتُ مُسْتَعَارَةٌ لِعَظَمَةِ الشَّرَفِ ، وَالتَّفْضِيلُ : إِعْطَاءُ الْفَضْلِ ، وَهُوَ الْجِدَةُ وَالنِّعْمَةُ ، وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342063وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ ، وَالْمَعْنَى : النِّعْمَةُ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا .