أغراضها
العماد الذي أقيمت عليه أغراض هذه السورة إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإثبات أن القرآن وحي من الله ، وإثبات فضله وفضل من أنزله ، وذكر أنه معجز ، ورد مطاعن المشركين فيه وفيمن جاء به ، وأنهم لم يفقهوه فلذلك أعرضوا عنه .
وإبطال إحالتهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى ، فافتتحت بمعجزة الإسراء توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام ، وشريعة موسى عليه السلام على عادة القرآن في ذكر المثل والنظائر الدينية ، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله .
وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت ، فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذي تداولته الرسل من قبل ، فلم يستأثرهم بالحلول [ ص: 8 ] بذلك المكان الذي هو مهبط الشريعة الموسوية ، ورمز أطوار تأريخ بني إسرائيل وأسلافهم ، والذي هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه في عهد إبراهيم كما سننبه عليه عند تفسير قوله تعالى إلى المسجد الأقصى ، فأحل الله به محمدا عليه الصلاة والسلام ، بعد أن هجر وخرب ; إيماء إلى أن أمته تجدد مجده .
وأن الله مكنه من حرمي النبوة والشريعة ، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة ، وإنما عمرت كنائس حوله ، وأن بني إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى ، فكان إفسادهم سببا في تسلط أعدائهم عليهم ، وخراب المسجد الأقصى ، وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذي أنكروا رسالته .
ثم إثبات دلائل تفرد الله بالإلهية ، والاستدلال بآية الليل والنهار وما فيهما من المنن على إثبات الوحدانية .
والتذكير بالنعم التي سخرها الله للناس ، وما فيها من الدلائل على تفرده بتدبير الخلق ، وما تقتضيه من شكر المنعم ، وترك شكر غيره ، وتنزيهه عن اتخاذ بنات له .
وإظهار فضائل من شريعة الإسلام وحكمته ، وما علمه الله المسلمين من آداب المعاملة نحو ربهم سبحانه ، ومعاملة بعضهم مع بعض . والحكمة في سيرتهم وأقوالهم ، ومراقبة الله في ظاهرهم وباطنهم .
وعن أنه قال : التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة ابن عباس بني إسرائيل ، وفي رواية عنه : ثمان عشرة آية منها كانت في ألواح موسى ، أي من قوله تعالى لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا إلى قوله ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا .
ويعني بالتوراة الألواح المشتملة على الوصايا العشر ، وليس مراده أن القرآن حكى ما في التوراة ، ولكنها أحكام قرآنية موافقة لما في التوراة .
[ ص: 9 ] على أن كلام معناه : أن ما في الألواح مذكور في تلك الآي ، ولا يريد أنهما سواء ; لأن تلك الآيات تزيد بأحكام ، منها قوله ابن عباس ربكم أعلم بما في نفوسكم إلى قوله لربه كفورا ، وقوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق . وقوله ولا تقربوا مال اليتيم إلى قوله ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ، مع ما تخلل ذلك كله من تفصيل وتبيين عريت عنه الوصايا العشر التي كتبت في الألواح ، وإثبات البعث والجزاء ، والحث على إقامة الصلوات في أوقاتها ، والتحذير من نزغ الشيطان وعداوته لآدم وذريته ، وقصة إبايته من السجود ، والإنذار بعذاب الآخرة . وذكر ما عرض للأمم من أسباب الاستئصال والهلاك ، وتهديد المشركين بأن الله يوشك أن ينصر الإسلام على باطلهم ، وما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين ، واستعانتهم باليهود ، واقتراحهم الآيات ، وتحميقهم في جهلهم بآية القرآن ، وأنه الحق .
وتخلل ذلك من المستطردات والنذر والعظات ما فيه شفاء ورحمة ، ومن الأمثال ما هو علم وحكمة .