هو بالرفع خبر لمحذوف على طريقة حذف المسند إليه لاتباع الاستعمال كما تقدم في قوله تعالى " صم بكم " وذلك من جنس ما يسمونه بالنعت المقطوع .
والبديع مشتق من الإبداع وهو الإنشاء على غير مثال فهو عبارة عن إنشاء المنشآت على غير مثال سابق وذلك هو خلق أصول الأنواع وما يتولد من متولداتها ، فخلق السماوات إبداع وخلق الأرض إبداع وخلق نظام التناسل إبداع ، وهو فعيل بمعنى فاعل فقيل هو مشتق من بدع المجرد مثل قدر إذا صح وورد بدع بمعنى قدر بقلة أو هو مشتق من أبدع ومجيء فعيل من أفعل قليل ، ومنه قول وخلق آدم إبداع عمرو بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد المسمع . ومنه أيضا قول كعب بن زهير :سقاك بها المأمون كأسا روية فأنهلك المأمون منها وعلك
[ ص: 687 ] وذهب صاحب الكشاف إلى أن بديع هنا صفة مشبهة مأخوذ من بدع بضم الدال أي كانت البداعة صفة ذاتية له بتأويل بداعة السماوات والأرض التي هي من مخلوقاته فأضيفت إلى فاعلها الحقيقي على جعله مشبها بالمفعول به وأجريت الصفة على اسم الجلالة ليكون ضميره فاعلا لفظا على نحو : زيد حسن الوجه كما يقال : فلان بديع الشعر ، أي بديعة سماواته .
وأما بيت عمرو فإنما عينوه للتنظير ولم يجوزوا فيه احتمال أن يكون السميع بمعنى المسموع لوجوه : أحدها : أنه لم يرد سميع بمعنى مسموع مع أن فعيلا بمعنى مفعول غير مطرد . الثاني : أن سميع وقع وصفا للذات وهو الداعي ، وحكم سمع إذا دخلت على ما لا يسمع أن تصير من أخوات ظن فيلزم مجيء مفعول ثان بعد النائب المستتر وهو مفقود .
الثالث : أن المعنى ليس على وصف الداعي بأنه مسموع بل على وصفه بأنه مسمع أي الداعي القاصد للإسماع المعلن لصوته وذلك مؤذن بأنه داع في أمر مهم . ووصف الله تعالى ببديع السماوات والأرض مراد به أنه بديع السماوات والأرض من المخلوقات وفي هذا الوصف استدلال على لأنه تعالى لما كان خالق السماوات والأرض وما فيهما . فلا شيء من تلك الموجودات أهل لأن يكون ولدا له ، بل جميع ما بينهما عبيد لله تعالى كما تقدم في قوله بل له ما في السماوات والأرض ولهذا رتب نفي الولد على كونه بديع السماوات والأرض في سورة الأنعام بقوله نفي بنوة من جعلوه ابنا لله تعالى بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وقوله وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون إلخ كشف لشبهة النصارى واستدلال على أنه لا يتخذ ولدا بل يكون الكائنات كلها بتكوين واحد وكلها خاضعة لتكوينه وذلك أنالنصارى توهموا أن مجيء المسيح من غير أب دليل على أنه ابن الله فبين الله تعالى أن تكوين أحوال الموجودات من لا شيء أعجب من ذلك وأن كل ذلك راجع إلى التكوين والتقدير سواء في ذلك ما وجد بواسطة تامة أو ناقصة أو بلا واسطة قال تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فليس تخلق عيسى من أم دون أب بموجب كونه ابن الله تعالى .
وكان في الآية تامة لا تطلب خبرا أي يقول له : إيجد فيوجد والظاهر أن القول والمقول . والمسبب هنا تمثيل لسرعة وجود الكائنات عند تعلق الإرادة والقدرة بهما بأن شبه فعل الله [ ص: 688 ] تعالى بتكوين شيء وحصول المكون عقب ذلك بدون مهلة بتوجه الآمر للمأمور بكلمة الأمر وحصول امتثاله عقب ذلك لأن تلك أقرب الحالات المتعارفة التي يمكن التقريب بها في الأمور التي لا تتسع اللغة للتعبير عنها وإلى نحو هذا مال صاحب الكشاف ونظره بقول أبي النجم :
إذ قالت الأنساع للبطن الحق قدما فآضت كالفنيق المحنق