[ ص: 220 ] ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا
إذ ظرف متعلق بـ كان من قوله : لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ، فإن ذلك الزمان موقع من مواقع الآيات فإن في قولهم ذلك حينئذ عبرة من عبر الأخلاق التي تنشأ من حسد الإخوة والأقرباء ، وعبرة من المجازفة في تغليطهم أباهم ، واستخفافهم برأيه غرورا منهم ، وغفلة عن مراتب موجبات ميل الأب إلى بعض أبنائه . وتلك الآيات قائمة في الحكاية عن ذلك الزمن .
وهذا القول المحكي عنهم قول تآمر وتحاور .
وافتتاح المقول بلام الابتداء المفيدة للتوكيد لقصد تحقيق الخبر .
والمراد : توكيد لازم الخبر إذ لم يكن فيهم من يشك في أن يوسف - عليه السلام - وأخاه أحب إلى أبيهم من بقيتهم ولكنهم لم يكونوا سواء في الحسد لهما والغيرة من تفضيل أبيهم إياهما على بقيتهم ، فأراد بعضهم إقناع بعض بذلك ليتمالئوا على ليوسف - عليه السلام - وأخيه ، كما سيأتي عند قوله : الكيد ونحن عصبة ، وقوله : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ؛ فقائل الكلام بعض إخوته ، أي جماعة منهم بقرينة قوله بعد اقتلوا يوسف وقولهم قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف .
يوسف - عليه السلام - أريد به ( وأخو بنيامين ) وإنما خصوه بالأخوة لأنه كان شقيقه ، أمهما ( راحيل ) بنت ( لابان ) ، وكان بقية إخوته إخوة للأب ، أم بعضهم ( ليئة ) بنت ( لابان ) ، وأم بعضهم ( بلهة ) جارية ( ليئة ) وهبتها ( ليئة ) لزوجها يعقوب - عليه السلام - .
و أحب اسم تفضيل ، وأفعل التفضيل يتعدى إلى المفضل بـ " من " ، ويتعدى إلى المفضل عنده بـ " إلى " .
[ ص: 221 ] ودعواهم أن يوسف - عليه السلام - وأخاه أحب إلى يعقوب - عليه السلام - منهم يجوز أن تكون دعوى باطلة أثار اعتقادها في نفوسهم شدة الغيرة من أفضلية يوسف - عليه السلام - وأخيه عليهم في الكمالات وربما سمعوا ثناء أبيهم على يوسف - عليه السلام - وأخيه في أعمال تصدر منهما أو شاهدوه يأخذ بإشارتهما أو رأوا منه شفقة عليهما لصغرهما ووفاة أمهما فتوهموا من ذلك أنه أشد حبا إياهما منهم توهما باطلا . ويجوز أن تكون دعواهم مطابقة للواقع وتكون زيادة محبته إياهما أمرا لا يملك صرفه عن نفسه لأنه وجدان ولكنه لم يكن يؤثرهما عليهم في المعاملات والأمور الظاهرية ويكون أبناؤه قد علموا فرط محبة أبيهم إياهما من التوسم والقرائن لا من تفضيلهما في المعاملة يعقوب - عليه السلام - مؤاخذا بشيء يفضي إلى التباغض بين الإخوة . فلا يكون
وجملة ونحن عصبة في موضع الحال من ( أحب ) ، أي ونحن أكثر عددا . والمقصود من الحال التعجب من تفضيلهما في الحب في حال أن رجاء انتفاعه من إخوتهما أشد من رجائه منهما ، بناء على ما هو الشائع عند عامة أهل البدو من الاعتزاز بالكثرة ، فظنوا مدارك يعقوب - عليه السلام - مساوية لمدارك الدهماء ، والعقول قلما تدرك مراقي ما فوقها ، ولم يعلموا أن ما ينظر إليه أهل الكمال من أسباب التفضيل غير ما ينظره من دونهم .
وتكون جملة إن أبانا لفي ضلال مبين تعليلا للتعجب وتفريعا عليه ، وضمير ونحن عصبة لجميع الإخوة عدا يوسف - عليه السلام - وأخاه .
ويجوز أن تكون جملة ونحن عصبة عطفا على جملة ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا . والمقصود لازم الخبر وهو تجرئة بعضهم بعضا عن إتيان العمل الذي سيغريهم به في قولهم اقتلوا يوسف ، أي إنا لا يعجزنا الكيد ليوسف - عليه السلام - وأخيه فإنا عصبة والعصبة يهون عليهم العمل العظيم الذي لا يستطيعه العدد القليل كقوله : [ ص: 222 ] قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون ، وتكون جملة إن أبانا تعليلا للإغراء وتفريعا عليه .
و " العصبة " : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، مثل أسماء الجماعات ، ويقال : العصابة . قال جمهور اللغويين : تطلق العصبة على الجماعة من عشرة إلى أربعين . وعن أنها من ثلاثة إلى عشرة ، وذهب إليه بعض أهل اللغة وذكروا أن في مصحف ابن عباس حفصة قوله - تعالى : " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة أربعة منكم " .
وكان يعقوب - عليه السلام - اثني عشر ، وهم الأسباط . وقد تقدم الكلام عليهم عند قوله - تعالى : أبناء أم تقولون إن إبراهيم الآية في سورة البقرة .
و " الضلال " إخطاء مسلك الصواب . وإنما : أراد وأخطأ التدبير للعيش لا الخطأ في الدين والاعتقاد . والتخطئة في أحوال الدنيا لا تنافي الاعتراف للمخطئ بالنبوة .