[ ص: 294 ] وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون
عطف على جملة أفأنت تكره الناس لتقرير مضمونها لأن مضمونها إنكار أن يقدر النبيء - صلى الله عليه وسلم - على إلجاء الناس إلى الإيمان لأن الله هو الذي يقدر على ذلك .
ويجوز أن تكون الواو للحال من ضمير المخاطب ، أي كيف يمكنك أن تكره الناس على الإيمان والحال أنه لا تستطيع نفس أن تؤمن إلا بإذن الله لها بالإيمان .
والإذن : هنا إذن تكوين وتقدير . فهو ، خلق النفس مستعدة لقبول الحق مميزة بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد ، متوصلة بالنظر الصحيح إلى معرفة ما ينبغي أن يتبع وما لا ينبغي ، متمكنة بصحة الإرادة من زجر داعية الهوى والأعراض العاجلة ومن اتباع داعية الحق والعاقبة الدائمة حتى إذا وجه إليها الإرشاد حصل فيها الهدى .
ويومئ إلى هذا المعنى من الإذن قوله في مقابله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون فقابل هذه الحالة بحالة الذين لا يعقلون فعلم أن حالة الإيمان حالة من يعقلون ، فبينت آية ولو شاء ربك لآمن من في الأرض أن إيمان من لم يؤمن هو لعدم مشيئة الله إيمانه . وبينت هذه الآية أن إيمان من آمن هو بمشيئة الله إيمانه ، وكلاهما راجع إلى تقدير التكوين في النفوس والعقول .
والرجس : حقيقته الخبث والفساد . وأطلق هنا على الكفر ; لأنه خبث نفساني ، والقرينة مقابلته بالإيمان كالمقابلة التي في قوله : فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا إلى قوله فزادتهم رجسا إلى رجسهم . والمعنى : ويوقع [ ص: 295 ] الكفر على الذين لا يعقلون . والمراد نفي العقل المستقيم ، أي الذين لا تهتدي عقولهم إلى إدراك الحق ولا يستعملون عقولهم بالنظر في الأدلة .
وعلى للاستعلاء المجازي المستعمل في التمكن .
وقرأ الجمهور ويجعل الرجس بياء الغيبة ، والضمير عائد إلى اسم الجلالة الذي قبله . وقرأه أبو بكر عن عاصم ونجعل بنون العظمة .