وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون
جملة مستأنفة معطوفة عطف كلام على كلام . وضمير أسروا عائد إلى كل نفس [ ص: 198 ] باعتبار المعنى مع تغليب المذكر على المؤنث ، وعبر عن الإسرار المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه حتى كأنه قد مضى ، والمعنى : وسيسرون الندامة قطعا . وكذلك قوله : وقضي بينهم
والندامة : الندم ، وهو أسف يحصل في النفس على تفويت شيء ممكن عمله في الماضي ، والندم من هواجس النفس ، فهو أمر غير ظاهر ولكنه كثير ، أي يصدر عن صاحبه قول أو فعل يدل عليه ، فإذا تجلد صاحب الندم فلم يظهر قولا ولا فعلا فقد أسر الندامة ، أي قصرها على سره فلم يظهرها بإظهار بعض آثارها ، وإنما يكون ذلك من شدة الهول ; فإنما أسروا الندامة لأنهم دهشوا لرؤية ما لم يكونوا يحتسبون فلم يطيقوا صراخا ولا عويلا .
وجملة وقضي بينهم عطف على جملة وأسروا مستأنفة .
ومعنى قضي بينهم قضي فيهم ، أي قضي على كل واحد منهم بما يستحقه بالعدل ، فالقضاء بالعدل وقع فيهم ، وليس المعنى أنه قضي بين كل واحد وآخر لأن القضاء هنا ليس قضاء نزاع ولكنه قضاء زجر وتأنيب ، إذ ليس الكلام هنا إلا على المشركين وهم صنف واحد ، بخلاف قوله - تعالى : فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط فإن ذلك قضاء بين المرسل إليهم وبين الرسل كما قال - تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين
وجملة وهم لا يظلمون حالية .