[ ص: 187 ] ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون
عطف على جملة وإما نرينك بعض الذي نعدهم ، وهي بمنزلة السبب لمضمون الجملة التي قبلها . وهذه بينت أن مجيء الرسول للأمة هو منتهى الإمهال ، وأن على ذلك . فهذا إعلام بأن تكذيبهم الرسول هو الذي يجر عليهم الوعيد بالعقاب ، فهي ناظرة إلى قوله - تعالى : الأمة إن كذبت رسولها استحقت العقاب وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وقوله : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وجملة لكل أمة رسول ليست هي المقصود من الإخبار بل هي تمهيد للتفريع المفرع عليها بقوله : فإذا جاء رسولهم إلخ ، فلذلك لا يؤخذ من الجملة الأولى تعين أن يرسل رسول لكل أمة لأن تعيين الأمة بالزمن أو بالنسب أو بالموطن لا ينضبط ، وقد تخلو قبيلة أو شعب أو عصر أو بلاد عن مجيء رسول فيها ولو كان خلوها زمنا طويلا . وقد قال الله - تعالى : لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك . فالمعنى : ولكل أمة من الأمم ذوات الشرائع رسول معروف جاءها مثل عاد وثمود ومدين واليهود والكلدان . والمقصود من هذا الكلام ما تفرع عليه من قوله : فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط
والفاء للتفريع و " إذا " للظرفية مجردة عن الاستقبال ، والمعنى : أن في زمن مجيء الرسول يكون القضاء بينهم بالقسط . وتقديم الظرف على عامله وهو قضي للتشويف إلى تلقي الخبر .
وكلمة بين تدل على توسط في شيئين أو أشياء ، فتعين أن الضمير الذي أضيفت إليه هنا عائد إلى مجموع الأمة ورسولها ، أي قضي بين الأمة ورسولها بالعدل ، أي قضى الله بينهم بحسب عملهم مع رسولهم .
[ ص: 188 ] والمعنى : أن الله يمهل الأمة على ما هي فيه من الضلال فإذا أرسل إليها رسولا فإرساله أمارة على أن الله - تعالى - أراد إقلاعهم عن الضلال فانتهى أمد الإمهال بإبلاغ الرسول إليهم مراد الله منهم فإن أطاعوه رضي الله عنهم وربحوا ، وإن عصوه وشاقوه قضى الله بين الجميع بجزاء كل قضاء حق لا ظلم فيه وهو قضاء في الدنيا .
وقد أشعر قوله : قضي بينهم بحدوث مشاقة بين الكافرين وبين المؤمنين وفيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا تحذير من مشاقة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وإنذار لأهل مكة بما نالهم . وقد كان من بركة النبيء - صلى الله عليه وسلم - ورغبته أن أبقى الله على العرب فلم يستأصلهم ، ولكنه أراهم بطشته وأهلك قادتهم يوم بدر ، ثم ساقهم بالتدريج إلى حظيرة الإسلام حتى عمهم وأصبحوا دعاته للأمم وحملة شريعته للعالم .
ولما أشعر قوله : قضي بينهم بأن القضاء قضاء زجر لهم على مخالفة رسولهم وأنه عقاب شديد يكاد من يراه أو يسمعه أن يجول بخاطره أنه مبالغ فيه أتي بجملة وهم لا يظلمون ، وهي حال مؤكدة لعاملها الذي هو قضي بينهم بالقسط للإشعار بأن الذنب الذي قضي عليهم بسببه ذنب عظيم .