الجملة تعليل لقوله ( يبغونكم الفتنة ) لأنها دليل بأن ذلك ديدن لهم من قبل ، إذ ابتغوا الفتنة للمسلمين وذلك يوم أحد إذ انخزل عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين بعد أن وصلوا إلى أحد ، وكانوا ثلث الجيش قصدوا إلقاء الخوف في نفوس المسلمين حين يرون انخزال بعض جيشهم ، وقال : الذين ابتغوا الفتنة اثنا عشر رجلا من المنافقين ، وقفوا على ثنية الوداع ليلة ابن جريج العقبة ليفتكوا بالنبيء - صلى الله عليه وسلم .
وقلبوا بتشديد اللام مضاعف قلب المخفف ، والمضاعفة للدلالة على قوة الفعل . فيجوز أن يكون من قلب الشيء إذا تأمل باطنه وظاهره ليطلع على دقائق صفاته فتكون المبالغة راجعة إلى الكم أي كثرة التقليب ، أي ترددوا آراءهم وأعملوا المكائد والحيل للإضرار بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين .
ويجوز أن يكون قلبوا من قلب بمعنى فتش وبحث ، استعير التقليب للبحث والتفتيش لمشابهة التفتيش للتقليب في الإحاطة بحال الشيء كقوله - تعالى : فأصبح يقلب كفيه فيكون المعنى ، أنهم بحثوا وتجسسوا للاطلاع على شأن المسلمين وإخبار العدو به .
واللام في قوله : ( لك ) على هذين الوجهين لام العلة ، أي لأجلك وهو مجمل يبينه قوله : لقد ابتغوا الفتنة من قبل . فالمعنى اتبعوا فتنة تظهر منك ، أي في أحوالك وفي أحوال المسلمين .
ويجوز أن يكون قلبوا مبالغة في قلب الأمر إذا أخفى ما كان ظاهرا منه وأبدى ما كان خفيا ، كقولهم : قلب له ظهر المجن . وتعديته باللام في قوله : ( لك ) ظاهرة .
[ ص: 220 ] و الأمور جمع أمر ، وهو اسم مبهم مثل شيء كما في قول الموصلي :
ولكن مقادير جرت وأمور
والألف واللام فيه للجنس ، أي أمورا تعرفون بعضها ولا تعرفون بعضا .
و حتى غاية لتقليبهم الأمور .
ومجيء الحق حصوله واستقراره والمراد بذلك زوال ضعف المسلمين وانكشاف أمر المنافقين .
والمراد بظهور أمر الله نصر المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا . وذلك يكرهه المنافقون .
الظهور والغلبة والنصر .
وأمر الله دينه ، أي فلما جاء الحق وظهر أمر الله علموا أن فتنتهم لا تضر المسلمين ، فلذلك لم يروا فائدة في الخروج معهم إلى غزوة تبوك فاعتذروا عن الخروج من أول الأمر .