علي بن مهدي
كان أبوه من قرية بزبيد من الصلحاء ، فنشأ علي في تزهد ، وحج ، ولقي العلماء ، وحصل ، ثم وعظ ، وذم الجند .
وكان فصيحا صبيحا طويلا ، أخضر اللون ، طيب الصوت ، غزير المحفوظ ، متصوفا ، خبيث السريرة ، داهية ، يتكلم على الخواطر ، فربط الخلق ، وكان يعظ وينتحب .
قال عمارة اليمني : لازمته سنة ، وتركت التفقه ، ونسكت ، فأعادني أبي إلى المدرسة ، فكنت أزوره في الشهر ، فلما استفحل أمره تركته ، ولم يزل من سنة 530 يعظ ويخوف في القرى ، ويحج على نجيب ، وأطلقت له [ ص: 322 ] السيدة أم فاتك ولأقاربه خراج أملاكهم ، فتمولوا إلى أن صار جمعه نحو أربعين ألف مقاتل ، وحارب ، وكان يقول : دنا الوقت ، أزف الأمر ، كأنكم بما أقول لكم عيانا ، ثم ثار ببلاد خولان ، وعاث وسبى ، وأهلك الناس ، ثم لقيته عند الداعي بجبلة سنة تسع وأربعين يستنجد به ، فأبى ، ثم دبر على قتل وزير آل فاتك ، ثم زحف إلى زبيد ، فقاتله أهلها نيفا وسبعين زحفا ، وقتل خلائق من الفريقين ، ثم قتل فاتك متولي زبيد ، وأخذها ابن مهدي في رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، فما متع ، وهلك بعد ثلاثة أشهر ، وقام بعده ابنه عبد النبي وعظم ، حتى استولى على سائر اليمن ، وجمع أموالا لا تحصى ، وكان حنفي المذهب -أعني الأب- يرى التكفير بالمعاصي ويستحل وطء سبايا من خالفه ، ويعتقد فيه قومه فوق اعتقاد الخلق في نبيهم .
قال : وحكي لي عنه أنه لم يثق بيمين من يصحبه حتى يذبح ولده أو أخاه ، وكان يقتل بالتعذيب في الشمس ، ولا يشفع أحد عنده ، وليس لأحد من عسكره فرس يملكه ولا سلاح ، بل الكل عنده إلى وقت الحرب ، والمنهزم منهم يقتل جزما ، والسكران يقتل ، ومن زنى أو سمع غناء يقتل ، ومن تأخر عن صلاة الجماعة قتل .