الإمام العلامة ، أوحد المتكلمين ، مقدم الأصوليين ، القاضي أبو بكر ، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم ، البصري ، ثم البغدادي ، ابن الباقلاني ، صاحب التصانيف ، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه .
سمع أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، وأبا محمد بن ماسي ، وطائفة .
وخرج له أبو الفتح بن أبي الفوارس .
وكان ثقة إماما بارعا ، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة ، والخوارج والجهمية والكرامية ، وانتصر لطريقة ، وقد يخالفه في مضائق ، فإنه من نظرائه ، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه . أبي الحسن الأشعري
وقد ذكره القاضي عياض في " طبقات المالكية " فقال : هو الملقب بسيف السنة ، ولسان الأمة ، المتكلم على لسان أهل الحديث ، [ ص: 191 ] وطريق أبي الحسن ، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته ، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة .
حدث عنه : الحافظ ، أبو ذر الهروي وأبو جعفر محمد بن أحمد السمناني ، وقاضي الموصل ، والحسين بن حاتم الأصولي .
قال أبو بكر الخطيب كان ورده في كل ليلة عشرين ترويحة في الحضر والسفر ، فإذا فرغ منها ، كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه . سمعت أبا الفرج محمد بن عمران يقول ذلك . وسمعت علي بن محمد الحربي يقول : جميع ما كان يذكر من الخلاف بين الناس صنفه من حفظه ، وما صنف أحد خلافا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين ، سوى أبو بكر بن الباقلاني ابن الباقلاني .
قلت : أخذ القاضي أبو بكر المعقول عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي صاحب . أبي الحسن الأشعري
وقد سار القاضي رسولا عن أمير المؤمنين إلى طاغية الروم ، وجرت له أمور ، منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك ، ففطن لها القاضي ، ودخل بظهره .
ومنها أنه قال لراهبهم : كيف الأهل والأولاد ؟ فقال الملك : مه ! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا ؟ فقال : تنزهونه عن هذا ، ولا تنزهون رب [ ص: 192 ] العالمين عن الصاحبة والولد !
وقيل : إن الطاغية سأله : كيف جرى لزوجة نبيكم ؟ -يقصد توبيخا- فقال : كما جرى لمريم بنت عمران ، وبرأهما الله ، لكن عائشة لم تأت بولد . فأفحمه .
قال الخطيب سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول : كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس سوى القاضي أبي بكر ، فإنما صدره يحوي علمه وعلم الناس .
وقال أبو محمد البافي : لو أوصى رجل بثلث ماله لأفصح الناس لوجب أن يدفع إلى أبي بكر الأشعري .
قال أبو حاتم محمود بن الحسين القزويني : كان ما يضمره القاضي أبو بكر الأشعري من الورع والدين أضعاف ما كان يظهره ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنما أظهر ما أظهره غيظا لليهود والنصارى ، والمعتزلة والرافضة ، لئلا يستحقروا علماء الحق .
وعمل بعضهم في موت القاضي :
انظر إلى جبل تمشي الرجال به وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف وانظر إلى صارم الإسلام منغمدا
وانظر إلى درة الإسلام في الصدف
مات في ذي القعدة ، سنة ثلاث وأربعمائة ، وصلى عليه ابنه حسن ، وكانت جنازته مشهودة ، وكان سيفا على المعتزلة والرافضة والمشبهة ، وغالب قواعده على السنة ، وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازته : هذا ناصر السنة والدين ، والذاب عن الشريعة ، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة . ثم كان يزور قبره كل جمعة .
قيل : ناظر أبو بكر أبا سعيد الهاروني ، فأسهب ، ووسع العبارة ، ثم قال للجماعة : إن أعاد ما قلت ، قنعت به عن الجواب . فقال الهاروني : بل إن أعاد ما قاله ، سلمت له .