[ ص: 205 ] الفائز بالله
صاحب مصر أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي المصري .
لما اغتال عباس الوزير الظافر ، أظهر القلق ، ولم يكن علم أهل القصر بمقتله ، فطلبوه في دور الحرم فما وجدوه ، وفتشوا عليه وأيسوا منه . وقال عباس لأخويه : أنتما اللذين قتلتما خليفتنا . فأصرا على الإنكار ، فقتلهما نفيا للتهمة عنه ، واستدعى في الحال عيسى هذا ، وهو طفل له خمس سنين ، وقيل : بل سنتان . فحمله على كتفه ، ووقف باكيا كئيبا ، وأمر بأن تدخل الأمراء ، فدخلوا ، فقال : هذا ولد مولاكم ، وقد قتل عماه مولاكم ، فقتلتهما به كما ترون ، والواجب إخلاص النية والطاعة لهذا الولد .
فقالوا كلهم : سمعا وطاعة . وضجوا ضجة قوية بذلك ، ففزع الطفل ، وبال على كتف الملك عباس ، ولقبوه الفائز ، وبعثوه إلى أمه ، واختل عقله من حينئذ ، وصار يتحرك ويصرع ، ودانت الممالك لعباس .
وأما أهل القصر ، فاطلعوا على باطن القضية ، وأقاموا المآتم على الثلاثة ، وتحيلوا ، وكاتبوا طلائع بن رزيك الأرمني الرافضي والي [ ص: 206 ] المنية وكان ذا شهامة وإقدام ، فسألوه الغوث ، وقطعوا شعور النساء والأولاد ، وسيروها في طي الكتاب وسخموه ، فلما تأمله اطلع من حوله من الجند عليه ، وبكوا .
ولبس الحداد ، واستمال عرب الصعيد ، وجمع وحشد ، وكاتب أمراء القاهرة ، وهيجهم على طلب الثأر ، فأجابوه ، فسار إلى القاهرة ، فبادر إلى ركابه جمهور الجيش ، وبقي عباس في عسكر قليل ، فخارت قواه وهرب هو وابنه نصر ومماليكه والأمير ابن منقذ .
ونقل أن ابن الأثير أسامة هو الذي حسن لعباس وابنه اغتيال الظافر وقتل العادل ، قيل : إن الظافر ، أقطع نصر بن عباس قليوب فقال أسامة : ما هي في مهرك بكثير .
ثم قصد عباس الشام على ناحية أيلة في ربيع الأول ، فما كانت أيامه بعد قتل الظافر إلا يسيرة ، واستولى الصالح طلائع بن رزيك على ديار مصر بلا ضربة ولا طعنة ، فنزل إلى دار عباس ، وطلب الخادم الصغير الذي كان مع الظافر ، وسأله عن المكان الذي دفن فيه أستاذه ، فأعلمه ، فقلع بلاطه ، وأخرج الظافر ومن معه من القتلى ، وحملوا وناحوا عليهم ، وتكفل طلائع بالفائز ، ودبر الدولة .
وجهزت أخت الظافر رسولا إلى الفرنج بعسقلان ، وبذلت لهم مالا [ ص: 207 ] عظيما إن أسروا لها عباسا وابنه ، فخرجوا عليه ، فالتقاهم ، فقتل في الوقعة ، وأخذت خزائنه ، وأسروا ابنه نصرا ، وبعثوه إليها في قفص حديد ، فلما وصل ، قبض رسولهم المال ، وذلك في ربيع الأول سنة خمسين ، فقطعت يد نصر ، وضرب بالمقارع كثيرا ، وقص لحمه ، ثم صلب فمات ، فبقي معلقا شهورا ، ثم أحرق .
وقيل : تسلمه نساء الظافر ، فضربنه بالقباقيب ، وأطعمنه لحمه .
مات الفائز في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة وله نحو من عشر سنين ، وبايعوا العاضد .