الحافظ لدين الله
صاحب مصر أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر [ ص: 200 ] بالله معد بن الظاهر علي بن الحكم بن العزيز بن المعز ، العبيدي الإسماعيلي المصري .
بايعوه يوم مصرع ابن عمه الآمر ليدبر المملكة إلى أن يولد حمل للآمر إن ولد ، وغلب على الأمور أمير الجيوش أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وكان الآمر قد سجنه عندما قتل أباه ، فأخرجت الأمراء أبا علي ، وقدموه عليهم ، فأتى إلى القصر ، وأمر ونهى ، وبقي الحافظ معه منقهرا ، فقام أبو علي بالملك أتم قيام ، وعدل في الرعية ، ورد أموالا كثيرة على المصادرين ، ووقف عند مذهب الشيعة ، وتمسك بالاثني عشر ، وترك ما تقوله الإسماعيلية ، وأعرض عن الحافظ وآل بيته ، ودعا على منابر مصر للمنتظر صاحب السرداب على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، واستمر على ذلك ، وقلقت الدولة إلى أن شد عليه فارس من الخاصة ، فقتله بظاهر القاهرة في المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وذلك بتدبير الحافظ ، فبادرت الأمراء إلى خدمة الحافظ ، وأخرجوه من الضيق والاعتقال ، وجددوا بيعته ، واستقل بالملك .
وكان مولده في الغربة بسبب القحط سنة سبع وستين وأربعمائة بعسقلان .
[ ص: 201 ] وعندما مات الآمر قبله قال الجهال : هذا بيت لا يموت إمام منهم حتى يخلف ابنا ينص على إمامته . فخلف الآمر حملا فكان بنتا .
وكان الحافظ يعتريه القولنج ، فعمل له شيرماه الديلمي طبلا مركبا من سبعة معادن في شرف الكواكب السبعة ، فكان من ضربه وبه قولنج انفش منه ريح كثير ، فوجد راحة . فوجده السلطان صلاح الدين في خزائنهم ، فضرب به أمير كردي فضرط ، فغضب وشقه ، ولم يعلم منفعته .
وكان الحافظ كلما أقام وزيرا تمكن وحكم عليه ، فيتألم ويتحيل عليه ، ويعمل على هلاكه ; منهم رضوان ، فسجنه سبع سنين ، وكان قد قدم الشام ، وجمع جموعا ، وقاتل المصريين ، وقاتلهم على باب القاهرة وانتصر ، ثم دخلها ، فاعتقله الحافظ عنده معززا في القصر ، ثم نقب الحبس ، وراح إلى الصعيد ، وأقبل بجمع عظيم ، وحارب ، فكان الملتقى عند جامع ابن طولون ، فانتصر وتملك ، فبعث إليه الحافظ بعشرين ألف دينار ، رسم الوزارة ، فما رضي حتى كمل له ستين ألفا ، ثم بعث إليه عدة من المماليك ، فقاتلهم غلمانه وهو ، فقتل ، وبقي الحافظ بلا وزير عشر سنين .
ولما قتل الأكمل أقام في الوزارة يانس مولاه ، فكبر يانس ، [ ص: 202 ] وتعدى طوره ، فسقي .
ثم وزر له ولده الحسن ، فكان شر وزير ، تمرد وطغى ، وقتل أربعين أميرا ، إلا أنه كان فيه تسنن ، فخافه أبوه ، وجهز له عسكرا فتحاربوا أياما ، ثم سقاه أبوه .
وقد امتدت أيامه ومات في خامس جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وخمسمائة فكانت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر ، وعاش سبعا وسبعين سنة ، فما بلغ أحد هذا السن من العبيدية ، وقام بعده ولده الظافر .