ابنه عبد الرحمن
العلامة ، الحافظ يكنى : أبا محمد . ولد سنة أربعين ومائتين أو إحدى وأربعين .
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم : كان -رحمه الله- قد كساه الله نورا وبهاء ، يسر من نظر إليه .
سمعته يقول : رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين ، وما احتلمت بعد ، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت ، فسر أبي ، حيث أدركت حجة الإسلام ، فسمعت في هذه السنة من محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ .
قلت : وسمع من : ، أبي سعيد الأشج ، والحسن بن عرفة والزعفراني ، ، ويونس بن عبد الأعلى وعلي بن المنذر الطريقي ، وأحمد بن سنان ومحمد بن إسماعيل الأحمسي ، وحجاج بن الشاعر ومحمد [ ص: 264 ] بن حسان الأزرق ، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه ، وإبراهيم المزني ، والربيع بن سليمان المؤذن ، وبحر بن نصر ، وسعدان بن نصر ، والرمادي ، وأبي زرعة ، وابن وارة ، وخلائق من طبقتهم ، وممن بعدهم بالحجاز والعراق والعجم ، ومصر والشام والجزيرة والجبال . وكان بحرا لا تكدره الدلاء .
روى عنه : ، ابن عدي وحسين بن علي التميمي ، والقاضي يوسف الميانجي وأبو الشيخ ابن حيان ، ، وأبو أحمد الحاكم وعلي بن عبد العزيز بن مردك ، وأحمد بن محمد البصير الرازي ، وعبد الله بن محمد بن أسد الفقيه ، وأبو علي حمد بن عبد الله الأصبهاني ، إبراهيم بن محمد بن يزداد ، وأخوه أحمد ، وإبراهيم بن محمد النصرآباذي ، وأبو سعيد بن عبد الوهاب الرازي ، وعلي بن محمد القصار ، وخلق سواهم .
قال : أخذ أبو يعلى الخليلي أبو محمد علم أبيه ، وأبي زرعة ، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال . صنف في الفقه ، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار . قال : وكان زاهدا ، يعد من الأبدال .
قلت : له كتاب نفيس في " الجرح والتعديل " ، أربع مجلدات ، وكتاب " الرد على الجهمية " ، مجلد ضخم ، انتخبت منه ، وله " تفسير " كبير في عدة مجلدات ، عامته آثار بأسانيده ، من أحسن التفاسير .
قال الحافظ يحيى بن منده : صنف ابن أبي حاتم " المسند " في ألف [ ص: 265 ] جزء ، وكتاب " الزهد " ، وكتاب " الكنى " ، وكتاب " الفوائد الكبير " ، وفوائد " أهل الري " ، وكتاب " تقدمة الجرح والتعديل " . قلت : وله كتاب " العلل " مجلد كبير . وقال الرازي ، المذكور في ترجمة عبد الرحمن : سمعت علي بن محمد المصري -ونحن في جنازة ابن أبي حاتم - يقول : قلنسوة عبد الرحمن من السماء ، وما هو بعجب ، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة ، لم ينحرف عن الطريق .
وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول : ما رأيت أحدا ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط . وسمعت عباس بن أحمد يقول : بلغني أن أبا حاتم قال : ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن ! لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا . وسمعت عبد الرحمن يقول : لم يدعني أبي أشتغل في الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي ، ثم كتبت الحديث .
قال الخليلي : يقال : إن السنة بالري ختمت بابن أبي حاتم ، وأمر بدفن الأصول من كتب أبيه وأبي زرعة ، ووقف تصانيفه ، وأوصى إلى الدرستيني القاضي . [ ص: 266 ]
وسمعت أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ يحكي عن علي بن الحسين الدرستيني ، أن أبا حاتم كان يعرف الاسم الأعظم ، فمرض ابنه ، فاجتهد أن لا يدعو به ، فإنه لا ينال به الدنيا ، فلما اشتدت العلة ، حزن ، ودعا به ، فعوفي ، فرأى أبو حاتم في نومه : استجبت لك ولكن لا يعقب ابنك . فكان عبد الرحمن مع زوجته سبعين سنة ، فلم يرزق ولدا ، وقيل : إنه ما مسها .
وقال الرازي : وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي يقول : سمعت يقول : كنا عبد الرحمن بن أبي حاتم بمصر سبعة أشهر ، لم نأكل فيها مرقة ، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ ، وبالليل : النسخ والمقابلة . قال : فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا ، فقالوا : هو عليل ، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا ، فاشتريناه ، فلما صرنا إلى البيت ، حضر وقت مجلس ، فلم يمكنا إصلاحه ، ومضينا إلى المجلس ، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام ، وكاد أن يتغير ، فأكلناه نيئا ، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه . ثم قال : لا يستطاع العلم براحة الجسد .
قال الخطيب الرازي : كان لعبد الرحمن ثلاث رحلات : الأولى مع أبيه سنة خمسين ، وسنة ست ، ثم حج وسمع محمد بن حماد في سنة اثنتين ، ثم رحل بنفسه إلى السواحل والشام ومصر ، سنة اثنتين وستين ومائتين ، ثم رحل إلى أصبهان ، في سنة أربع وستين ، فلقي يونس بن حبيب . سمعت الواعظ أبا عبد الله القزويني يقول : إذا صليت مع عبد الرحمن [ ص: 267 ] فسلم إليه نفسك ، يعمل بها ما شاء . دخلنا يوما بغلس على عبد الرحمن في مرض موته ، فكان على الفراش قائما يصلي ، وركع فأطال الركوع .
ومن كلامه : قال : وجدت ألفاظ التعديل والجرح مراتب : فإذا قيل : ثقة : أو : متقن . احتج به ، وإن قيل : صدوق ، أو : محله الصدق ، أو : لا بأس به ، فهو ممن يكتب حديثه ، وينظر فيه وهي المنزلة الثانية ، وإذا قيل : شيخ ، فيكتب حديثه ، وهو دون ما قبله ، وإذا قيل : صالح الحديث ، فيكتب حديثه وهو دون ذلك يكتب للاعتبار ، وإذا قيل : لين ، فدون ذلك ، وإذا قالوا : ضعيف الحديث ، فلا يطرح حديثه ، بل يعتبر به ، فإذا قالوا : متروك الحديث ، أو : ذاهب الحديث ، أو : كذاب ، فلا يكتب حديثه .
قال عمر بن إبراهيم الهروي الزاهد : حدثنا الحسين بن أحمد الصفار ، سمعت يقول : وقع عندنا الغلاء ، فأنفذ بعض أصدقائي حبوبا من أصبهان ، فبعته بعشرين ألفا ، وسألني أن أشتري له دارا عندنا ، فإذا جاء ينزل فيها ، فأنفقتها في الفقراء ، وكتبت إليه : اشتريت لك بها قصرا في الجنة ، فبعث يقول : رضيت ، فاكتب على نفسك صكا ، ففعلت ، فأريت في المنام : قد وفينا بما ضمنت ، ولا تعد لمثل هذا . عبد الرحمن بن أبي حاتم
قال الإمام أبو الوليد الباجي : ثقة حافظ . [ ص: 268 ] وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي : سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازي ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد ، سمعت يقول : إنا لنطعن على أقوام ، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة ، من أكثر من مائتي سنة . يحيى بن معين
قلت : لعلها من مائة سنة ، فإن ذلك لا يبلغ في أيام يحيى هذا القدر .
قال ابن مهرويه : فدخلت على ، وهو يقرأ على الناس كتاب : " الجرح والتعديل " ، فحدثته بهذا ، فبكى ، وارتعدت يداه ، حتى سقط الكتاب ، وجعل يبكي ، ويستعيدني الحكاية . عبد الرحمن بن أبي حاتم
قلت : أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة ، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله ، والذب عن السنة .
وقد كتب إلي عبد الرحمن بن محمد وجماعة ، سمعوا عمر بن محمد يقول : أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان ، أخبرنا أخبرنا أبو إسحاق المزكي عبد الرحمن بن محمد الحنظلي ، حدثنا هارون بن حميد ، حدثنا الفضل بن عنبسة ، أخبرنا شعبة عن الحكم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : [ ص: 269 ] أخرجه الجار أحق بسقب داره أو أرضه ، عن النسائي زكريا خياط السنة ، عن هارون هذا ، فوقع لنا بدلا عاليا بدرجتين .
توفي ابن أبي حاتم في المحرم ، سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بالري ، وله بضع وثمانون سنة .