محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران : الإمام ، الحافظ ، الناقد ، شيخ المحدثين الحنظلي الغطفاني ، من تميم بن حنظلة بن يربوع ، وقيل : عرف بالحنظلي لأنه كان يسكن في درب حنظلة ، بمدينة الري . كان من بحور العلم . طوف البلاد ، وبرع في المتن والإسناد ، وجمع وصنف ، وجرح وعدل ، وصحح وعلل .
مولده سنة خمس وتسعين ومائة وأول كتابه للحديث كان في سنة تسع ومائتين ، وهو من نظراء ، ومن طبقته ، ولكنه عمر بعده أزيد من عشرين عاما . البخاري
سمع : ، عبيد الله بن موسى ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، والأصمعي وقبيصة ، وأبا نعيم ، وعفان ، وعثمان بن الهيثم المؤذن ، وأبا مسهر الغساني ، وأبا اليمان ، ، وسعيد بن أبي مريم وزهير بن عباد ، ويحيى بن بكير ، وأبا الوليد ، ، وآدم بن أبي إياس وثابت بن محمد الزاهد ، وأبا زيد الأنصاري النحوي ، ، وعبد الله بن صالح العجلي وعبد الله بن صالح الكاتب ، وأبا الجماهر محمد بن عثمان ، ، وهوذة بن خليفة ويحيى [ ص: 248 ] الوحاظي ، وأبا توبة الحلبي ، وخلقا كثيرا . وينزل إلى بندار ، وأبي حفص الفلاس ، والربيع المرادي ، ثم إلى ، ابن وارة ومحمد بن عوف .
ويتعذر استقصاء سائر مشايخه . فقد قال الخليلي : قال لي أبو حاتم اللبان الحافظ : قد جمعت من روى عنه ، فبلغوا قريبا من ثلاثة آلاف . أبو حاتم الرازي
حدث عنه : ولده الحافظ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ، ويونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المؤذن شيخاه ، وأبو زرعة الرازي رفيقه وقرابته ، ، وأبو زرعة الدمشقي ، وإبراهيم الحربي وأحمد الرمادي ، وموسى بن إسحاق الأنصاري ، ، وأبو بكر بن أبي الدنيا وأبو عبد الله البخاري -فيما قيل- وأبو داود ، في " سننهما " ، وأبو عبد الرحمن النسائي وابن صاعد ، ، وأبو عوانة الإسفراييني وحاجب بن أركين ، ومحمد بن إبراهيم الكناني ، وزكريا بن أحمد البلخي ، والقاضي المحاملي ، ومحمد بن مخلد العطار ، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان ، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حكيم ، وسليمان بن يزيد الفامي والقاسم بن صفوان ، ، وأبو بشر الدولابي وأبو حامد بن حسنويه ، وخلق كثير .
وقد حدث في رحلاته بأماكن ، وارتحل بابنه ، ولقي به أصحاب ابن عيينة . ووكيع
قال الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي : حدثنا الربيع [ ص: 249 ] المرادي ، حدثنا ، حدثنا أبو حاتم الرازي داود الجعفري ، حدثنا ، عن عبد العزيز بن محمد إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : مريم ، وآسية امرأة فرعون ، ، وخديجة وفاطمة ثم قال خير نساء العالمين : وحدثناه ابن عدي أبو حاتم .
قال صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ : حدثنا القاسم بن أبي صالح ، ، قالا : حدثنا وسليمان بن يزيد أبو حاتم ، قال : حدثني أبو زرعة عني ، عن أبي الجماهر ، أخبرنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبيد الله ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، يرفعه ، قال : . رفع القلم عن ثلاثة
قال أبو حاتم : كان عندي هذا في قرطاس فضاع . رواه الحافظ أبو بكر الخطيب ، حدثنا علي بن طلحة ، حدثنا صالح . [ ص: 250 ]
قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم موسى بن إسحاق القاضي يقول : ما رأيت أحفظ من والدك . وكان قد لقي ، أبا بكر بن أبي شيبة وابن نمير ، ، وابن معين ويحيى الحماني .
قال الخطيب : كان أبو حاتم أحد الأئمة الحفاظ الأثبات . . أول سماعه سنة تسع ومائتين .
قال : حكى لنا أبو الشيخ الحافظ عبد الله بن محمد بن يعقوب : سمعت أبا حاتم يقول : نحن من أهل أصبهان ، من قرية جروكان وأهلنا كانوا يقدمون علينا في حياة أبي ، ثم انقطعوا عنا .
قال الخليلي : كان أبو حاتم عالما باختلاف الصحابة ، وفقه التابعين ، ومن بعدهم ، سمعت جدي وجماعة ، سمعوا علي بن إبراهيم القطان يقول : ما رأيت مثل أبي حاتم ! فقلنا له : قد رأيت ، إبراهيم الحربي ؟ قال : ما رأيت أجمع من وإسماعيل القاضي أبي حاتم ، ولا أفضل منه .
علي بن إبراهيم الرازي : حدثنا أحمد بن علي الرقام سمعت الحسن بن الحسين الدارستيني قال : سمعت أبا حاتم يقول : قال لي أبو زرعة : ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك . فقلت له : إن عبد الرحمن ابني لحريص ، فقال : من أشبه أباه فما ظلم . قال الرقام : [ ص: 251 ] فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له ، وسؤالاته لأبيه ، فقال : ربما . كان يأكل وأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه . قال أحمد بن سلمة النيسابوري : ما رأيت بعد إسحاق ، ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من ، ولا أعلم بمعانيه . أبي حاتم الرازي
قال : سمعت ابن عدي القاسم بن صفوان ، سمعت أبا حاتم يقول : أورع من رأيت أربعة : آدم ، وأحمد بن حنبل وثابت بن محمد الزاهد ، . قال وأبو زرعة الرازي القاسم : فذكرته لعثمان بن خرزاذ . فقال : أنا أقول أحفظ من رأيت أربعة : محمد بن المنهال الضرير ، وإبراهيم بن عرعرة ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم .
قال ابن أبي حاتم : سمعت يقول : يونس بن عبد الأعلى أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ، ودعا لهما ، وقال : بقاؤهما صلاح للمسلمين . [ ص: 252 ]
وقال محمد بن الحسين بن مكرم : سمعت حجاج بن الشاعر ، وذكرت له أبا زرعة ، وابن وارة ، وأبا جعفر الدارمي ، فقال : ما بالمشرق أنبل منهم .
ابن أبي حاتم : سمعت أبي ، قال لي هشام بن عمار ، أي شيء تحفظ من الأذواء ؟ قلت : ذو الأصابع ، وذو الجوشن ، وذو الزوائد ، وذو اليدين ، وذو اللحية الكلابي ، وعددت له ستة ، فضحك ، وقال : حفظنا نحن ثلاثة ، وزدت أنت ثلاثة .
قال الحافظ عبد الرحمن بن خراش : كان أبو حاتم من أهل الأمانة والمعرفة .
وقال هبة الله اللالكائي كان أبو حاتم إماما حافظا متثبتا . وذكره اللالكائي في شيوخ . البخاري
وقال : ثقة . النسائي
قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : جرى بيني وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته ، فجعل يذكر أحاديث وعللها ، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها ، وخطأ الشيوخ ، فقال لي : يا أبا حاتم ! قل من يفهم هذا ، ما أعز هذا ! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا ! وربما أشك في شيء ، أو يتخالجني في حديث ، فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه . قال أبي : وكذلك كان أمري . [ ص: 253 ]
صالح بن أحمد الحافظ : حدثنا القاسم بن أبي صالح ، سمعت أبا حاتم يقول : قال لي أبو زرعة : ترفع يديك في القنوت ؟ قلت : لا ، فترفع أنت ؟ قال : نعم قلت : فما حجتك ؟ قال : حديث ابن مسعود .
قلت رواه ليث بن أبي سليم . قال فحديث ؟ قلت رواه أبي هريرة ابن لهيعة . قال : حديث ابن عباس ؟ قلت : رواه عوف . قال : فما حجتك في تركه ؟ قلت : حديث أنس بن مالك : فسكت . أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء ، إلا في الاستسقاء
وقال ابن أبي حاتم في أول كتاب " الجرح والتعديل " له : سمعت أبي يقول : جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي ، من أهل الفهم منهم ، ومعه دفتر ، فعرضه علي ، فقلت في بعضه : هذا حديث خطأ ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث ، وهذا باطل ، وهذا منكر ، وسائر ذلك صحاح ، فقال : من أين علمت أن ذاك خطأ ، وذاك باطل ، وذاك كذب ؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت ، أو بأني كذبت في حديث كذا ؟ قلت : لا ، ما أدري هذا الجزء من راويه ، غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ ، وأن [ ص: 254 ] هذا باطل فقال : تدعي الغيب ؟ قلت : ما هذا ادعاء غيب . قال : فما الدليل على ما قلت ؟ قلت : سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن ، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم . قال : ويقول أبو زرعة كقولك ؟ قلت : نعم ، قال : هذا عجب . قال : فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث ، ثم رجع إلي ، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث ، فقال : ما قلت إنه كذب ، قال أبو زرعة : هو باطل . قلت : الكذب والباطل واحد ، قال : وما قلت : إنه منكر ، قال : هو منكر ، كما قلت ، وما قلت : إنه صحيح ، قال : هو صحيح . ثم قال : ما أعجب هذا ! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما . قلت : فعند ذلك علمت أنا لم نجازف وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه ، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد ، فيقول : هذا بهرج . فإن قيل له : من أين قلت : إن هذا بهرج ؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار ؟ قال : لا . وإن قيل : أخبرك الذي بهرجه ؟ قال : لا . قيل : فمن أين قلت ؟ قال : علما رزقته . وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك ، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج ، يعرف ذا من ذا ، ويقول كذلك . وكذلك نحن رزقنا علما ، لا يتهيأ له أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا كذب ، أو هذا منكر ، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة ، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته . [ ص: 255 ] قال : وسمعت أبي يقول : قلت على باب : من أغرب علي حديثا غريبا مسندا لم أسمع به صحيحا ، فله علي درهم يتصدق به ، وكان ثم خلق : أبي الوليد الطيالسي أبو زرعة ، فمن دونه ، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به ، فيقولون : هو عند فلان ، فأذهب وأسمعه فلم يتهيأ لأحد أن يغرب علي حديثا . وسمعت أبي يقول : كان محمد بن يزيد الأسفاطي قد ولع بالتفسير وتحفظه ، فقال يوما : ما تحفظون في قوله تعالى : فنقبوا في البلاد ( ق : 36 ) . فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض ، فقلت : حدثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : ضربوا في البلاد . فاستحسن . سمعت أبي يقول : قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري ، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا ، من حديث الزهري ، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث ، وسائر ذلك لم تكن عنده ، ولم يعرفها . سمعت أبي يقول : أول سنة خرجت في طلب الحديث ، أقمت سبع سنين ، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ .
قلت : مسافة ذلك نحو أربعة أشهر ، سير الجادة . قال : ثم تركت العدد بعد ذلك ، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ، ثم إلى الرملة ماشيا ، ثم إلى دمشق ، ثم أنطاكية وطرسوس ، ثم [ ص: 256 ] رجعت إلى حمص ، ثم إلى الرقة ، ثم ركبت إلى العراق ، كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة . خرجت من الري ، فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة ، وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة ، ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين ، ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين ، وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين . وحج فيها عبد الرحمن ابنه .
سمعت أبي يقول : كتب عني محمد بن مصفى جزءا انتخبه . وكلمني في حديث دحيم أهل طبرية ، وكانوا سألوني التحديث ، فقلت : بلدة يكون فيها مثل دحيم القاضي أحدث أنا بها ؟ ! فكلمني ، فقال : إن هذه بلدة نائية عن جادة الطريق ، فقل من يقدم عليهم يحدثهم . سمعت أبي يقول : بقيت في سنة أربع عشرة ثمانية أشهر دحيم بالبصرة ، وكان في نفسي أن أقيم سنة ، فانقطعت نفقتي ، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت ، وبقيت بلا نفقة ، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة ، وأسمع إلى المساء ، فانصرف رفيقي ، ورجعت إلى بيتي ، فجعلت أشرب الماء من الجوع ، ثم أصبحت ، فغدا علي رفيقي ، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد ، وانصرفت جائعا ، فلما كان من الغد ، [ ص: 257 ] غدا علي ، فقال : مر بنا إلى المشايخ . قلت : أنا ضعيف لا يمكنني .
قال : ما ضعفك ؟ قلت : لا أكتمك أمري ، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا ، فقال : قد بقي معي دينار ، فنصفه لك ، ونجعل النصف الآخر في الكراء ، فخرجنا من البصرة ، وأخذت منه النصف دينار . وسمعت أبي يقول : خرجنا من المدينة ، من عند داود الجعفري ، وصرنا إلى الجار وركبنا البحر ، فكانت الريح في وجوهنا ، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر ، وضاقت صدورنا ، وفني ما كان معنا وخرجنا إلى البر نمشي أياما ، حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء ، فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب ، ويوم الثاني كمثل ، ويوم الثالث ، فلما كان يكون المساء صلينا ، وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا ، فلما أصبحنا في اليوم الثالث ، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا ، وكنا ثلاثة أنفس : شيخ نيسابوري ، وأبو زهير المروروذي ، فسقط الشيخ مغشيا عليه ، فجئنا نحركه وهو لا يعقل ، فتركناه ، ومشينا قدر فرسخ ، فضعفت ، وسقطت مغشيا علي ، ومضى صاحبي يمشي ، فبصر من بعد قوما ، قربوا سفينتهم من البر ، ونزلوا على بئر موسى ، فلما عاينهم ، لوح بثوبه إليهم ، فجاءوه معهم ماء في إداوة . فسقوه وأخذوا بيده ، فقال لهم : الحقوا رفيقين لي ، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهه ، ففتحت عيني ، فقلت : اسقني ، فصب من الماء في مشربة قليلا ، فشربت ، ورجعت إلي نفسي ، ثم سقاني قليلا ، وأخذ بيدي ، فقلت : ورائي شيخ ملقي ، فذهب جماعة إليه ، وأخذ بيدي ، وأنا [ ص: 258 ] أمشي وأجر رجلي ، حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم ، وأتوا بالشيخ ، وأحسنوا إلينا ، فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا ، ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها : راية إلى واليهم ، وزودونا من الكعك والسويق والماء . فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت ، فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر ، حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس ، فعمدنا إلى حجر كبير ، فضربنا على ظهرها ، فانفلق ، فإذا فيها مثل صفرة البيض ، فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع ، ثم وصلنا إلى مدينة الراية ، وأوصلنا الكتاب إلى عاملها ، فأنزلنا في داره ، فكان يقدم لنا كل يوم القرع ، ويقول لخادمه : هاتي لهم اليقطين المبارك . فيقدمه مع الخبز أياما ، فقال واحد منا : ألا تدعو باللحم المشئوم ؟ ! فسمع صاحب الدار ، فقال : أنا أحسن بالفارسية ، فإن جدتي كانت هروية ، وأتانا بعد ذلك باللحم ، ثم زودنا إلى مصر . وسمعت أبي يقول : كتبت الحديث سنة تسع ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، وكتبت عن عتاب بن زياد المروزي سنة عشر ، فلما قدم علينا حاجا وكنت أفيد الناس عن أبي عبد الرحمن المقرئ ، وأنا بالري ، فيخرج الناس إليه ، فيسمعون منه ، ويرجعون وأنا بالري . [ ص: 259 ] وسمعت أبي يقول : كتبت عند عارم وهو يقرأ . وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ ، وسرت من الكوفة إلى بغداد ، ما لا أحصي كم مرة .
: أخبرني ابن حبان محمد بن المنذر ، حدثنا محمد بن إدريس ، قال : كان أبو نعيم يوما جالسا ، ورجل في ناحية المجلس يقول : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ، قال : فنظر إليه ابن جريج أبو نعيم ، وقال : كذب الدجال ، ما سمعت من شيئا . ابن جريج
: أخبرني ابن حبان محمد بن المنذر ، حدثنا محمد بن إدريس ، حدثنا مؤمل بن يهاب ، عن ، قال : كان يزيد بن هارون بواسط رجل يروي عن أنس بن مالك ، أحرفا ، ثم قيل : إنه أخرج كتابا عن أنس ، فأتيناه ، فقلنا له : هل عندك من شيء من تلك الأحرف ؟ فقال : نعم ، عندي كتاب عن أنس . فقلنا : أخرجه ، فأخرجه ، فنظرنا ، فإذا هي أحاديث فجعل يقول : حدثنا شريك بن عبد الله أنس . فقلنا : هذه أحاديث شريك . فقال : صدقتم ، حدثنا أنس بن مالك ، عن شريك ، قال : فأفسد علينا تلك الأحرف التي سمعناها منه ، وقمنا عنه .
قال في كتاب " الرد على عبد الرحمن بن أبي حاتم الجهمية " ، له : حدثنا أبي ، وأبو زرعة ، قال : كان يحكى لنا أن هنا رجلا من قصته هذا ، فحدثني أبو زرعة ، قال : كان بالبصرة رجل ، وأنا مقيم سنة ثلاثين ومائتين ، فحدثني عثمان بن عمرو بن الضحاك عنه ، أنه قال : إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله ما في صدري من القرآن . وكان من قراء القرآن . فنسي القرآن ، حتى كان يقال له : قل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . فيقول : [ ص: 260 ] معروف ، معروف . ولا يتكلم به . قال أبو زرعة : فجهدوا به أن أراه ، فلم أره .
وقال : وجدت في كتاب الحافظ أبو القاسم اللالكائي أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، مما سمع منه ، يقول : مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين ، والتمسك بمذاهب أهل الأثر ، مثل ، الشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ولزوم الكتاب والسنة ، ونعتقد أن الله -عز وجل- على عرشه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن الإيمان يزيد وينقص ، ونؤمن بعذاب القبر ، وبالحوض ، وبالمساءلة في القبر ، وبالشفاعة ، ونترحم على جميع الصحابة . . . . وذكر أشياء .
إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث ، وإذا لين رجلا ، أو قال فيه : لا يحتج به . فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثقه أحد ، فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال قد قال في طائفة من رجال " الصحاح " : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك . وآخر من حدث عنه هو : محمد بن إسماعيل بن موسى الرازي ، عاش إلى بعد سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة .
أخبرنا أحمد بن إسحاق بن المؤيد أخبرنا زيد بن يحيى بن هبة [ ص: 261 ] الله ببغداد ، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن المبارك بن قفرجل ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، قال : أخبرنا أبو عمر بن مهدي الفارسي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل إملاء ، حدثنا ، حدثنا أبو حاتم الرازي أبو مسهر ، أخبرنا إسماعيل بن عياش ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن ، عن جبير بن نفير -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أبي الدرداء أخبرنا قال الله -عز وجل- : ابن آدم ! اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره المؤمل بن محمد وابن علان كتابة ، قالا : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا عبد الرحمن الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا ابن مخلد ، حدثنا ، حدثنا أبو حاتم الرازي خالد بن الحباب بالشام ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن أبي موسى ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : [ ص: 262 ] أخبرنا احتج آدم وموسى ، فحج آدم موسى إسماعيل بن عبد الرحمن سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أخبرنا محمد بن خلف الحنبلي سنة ست عشرة وستمائة ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا محمد وأحمد ابنا عبد الله بن أحمد ، قالا : أخبرنا علي بن محمد الفرضي ، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم ، حدثنا ، حدثنا أبو حاتم الرازي محمد بن عبد الله ، حدثني حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : افتتح أبو بكر -رضي الله عنه- ( البقرة ) ، في يوم عيد فطر أو أضحى ، فقلت : يقرأ عشر آيات ، فلما جاوز العشر ، قلنا : يقرأ مائة آية ، حتى قرأها ، فرأيت أشياخ أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يميلون هذا حديث صحيح غريب .
قال وغيره : مات أبو الحسين بن المنادي في شعبان ، سنة سبع وسبعين ومائتين وقيل : عاش ثلاثا وثمانين سنة . الحافظ أبو حاتم ولأبي محمد الإيادي الشاعر مرثية طويلة في أبي حاتم ، رواها عنه ابن أبي حاتم ، أولها .
أنفسي ما لك لا تجزعينا وعيني ما لك لا تدمعينا ألم تسمعي بكسوف العلوم
من شهر شعبان محقا مدينا [ ص: 263 ] ألم تسمعي خبر المرتضى
أبي حاتم أعلم العالمينا