ابن دينار الإمام القدوة ، الحجة أبو عبد الله العبدي ، مولاهم البصري . من صغار التابعين وفضلائهم .
رأى أنس بن مالك . وحدث عن الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وعكرمة ، ونافع مولى ابن عمر ، وزياد بن جبير ، وإبراهيم التيمي ، وعمرو بن سعيد الثقفي ، ومحمد بن زياد الجمحي ، وأبي بردة بن أبي موسى ، وحميد بن هلال ، والحكم بن الأعرج وحصين بن أبي الحر ، وثابت البناني ، وأبي العالية البراء وعدة .
حدث عنه : حجاج بن حجاج ، وشعبة ، وسفيان ، وحماد بن سلمة ، ويزيد بن زريع ، وهشيم ، وعبد الوارث ، وحماد بن زيد ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وعبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن أبي عدي ، وأبو همام محمد بن الزبرقان ، ومعتمر بن سليمان ، وسالم بن نوح ، ووهيب . وخلق كثير .
قال علي ابن المديني : له نحو مائتي حديث . وقال ابن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث . وقال أحمد والناس : ثقة . وابن معين
وقال أبو حاتم : هو أحب إلي من وأكبر من هشام بن حسان ، سليمان التيمي ، لا يبلغ التيمي منزلة يونس .
[ ص: 289 ] وعن سلمة بن علقمة قال : جالست يونس بن عبيد فما استطعت أن آخذ عليه كلمة . قال ابن سعد : ما كتبت شيئا قط .
وقال حماد بن زيد : كان يونس يحدث ، ثم يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله ثلاثا .
روى الأصمعي عن قال : جاء رجل شامي إلى مؤمل بن إسماعيل سوق الخزازين فقال : عندك مطرف بأربعمائة فقال يونس بن عبيد : عندنا بمائتين ، فنادى المنادي : الصلاة . فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بهم . فجاء وقد باع ابن أخته المطرف من الشامي ، بأربعمائة ، فقال : ما هذه الدراهم ؟ قال : ثمن ذاك المطرف ، فقال : يا عبد الله هذا المطرف الذي عرضته عليك بمائتي درهم . فإن شئت فخذه وخذ مائتين ، وإن شئت فدعه . قال : من أنت ؟ قال : أنا رجل من المسلمين . قال : أسألك بالله من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال : يونس بن عبيد . قال : فوالله إنا لنكون في نحر العدو ، فإذا اشتد الأمر علينا قلنا : اللهم رب يونس فرج عنا ، أو شبيه هذا . . .
فقال يونس : سبحان الله ، سبحان الله! إسنادها مرسل .
وقال أمية بن خالد : جاءت امرأة يونس بن عبيد بجبة خز ، فقالت له : اشترها . قال : بكم ؟ قالت : بخمسمائة . قال : هي خير من ذلك . قالت : بستمائة قال : هي خير من ذلك . فلم يزل حتى بلغت ألفا . وكان يشتري الإبريسم من البصرة فيبعث به إلى وكيله بالسوس ، وكان وكيله يبعث إليه بالخز . فإن كتب وكيله إليه : إن المتاع عندهم زائد ، لم يشتر منهم أبدا حتى يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد .
[ ص: 290 ] قال بشر بن المفضل : جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد تعرضه عليه ، فقال لها : بكم ؟ قالت : بستين درهما . فألقاه إلى جاره ، فقال : كيف تراه ؟ قال : بعشرين ومائة . قال أرى ذاك ثمنه ، أو نحوا من ثمنه . فقال لها : اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمس وعشرين ومائة . قالت : قد أمروني أن أبيعه بستين . قال : ارجعي فاستأمريهم .
وقال : حدثنا سعيد بن عامر الضبعي أسماء بن عبيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : ليس شيء أعز من شيئين : درهم طيب ، ورجل يعمل على سنة .
وقال : بئس المال مال المضاربة وهو خير من الدين ، ما خط على سوداء في بيضاء قط ، ولا أستطيع أن أقول لمائة درهم أصبتها إنه طاب لي منها عشرة ، وايم الله ، لو قلت : خمسة لبررت قالها غير مرة . وسمعته يقول : ما سارق يسرق الناس بأسوأ عندي منزلة من رجل أتى مسلما فاشترى منه متاعا إلى أجل مسمى ، فحل الأجل ، فانطلق في الأرض ، يضرب يمينا وشمالا ، يطلب فيه من فضل الله ، والله لا يصيب منه درهما إلا كان حراما .
الأصمعي : حدثنا سكن صاحب الغنم قال : جاءني يونس بن عبيد بشاة فقال : بعها وابرأ من أنها تقلب العلف وتنزع الوتد فبين قبل أن يقع البيع .
قال : نشر أبو عبد الرحمن المقرئ يونس بن عبيد ثوبا على رجل ، فسبح رجل من جلسائه ، فقال : ارفع ، أحسبه قال : ما وجدت موضع التسبيح إلا هاهنا ؟ .
وعن جعفر بن برقان قال : بلغني عن يونس فضل وصلاح ، فأحببت أن [ ص: 291 ] أكتب إليه أسأله . فكتب إليه : أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه . فأخبرك أني عرضت على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها ، وتكره لهم ما تكره لها ، فإذا هي من ذاك بعيدة ، ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير ، فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك . هذا أمري يا أخي والسلام .
قال سعيد بن عامر : قيل إن يونس بن عبيد قال : إني لأعد مائة خصلة من خصال البر ، ما في منها خصلة واحدة ، ثم قال سعيد ، عن جسر أبي جعفر قال : دخلت على يونس بن عبيد أيام الأضحى ، فقال : خذ لنا كذا وكذا من شاة . ثم قال : والله ما أراه يتقبل مني شيء . قد خشيت أن أكون من أهل النار .
قلت : كل من لم يخش أن يكون في النار ، فهو مغرور قد أمن مكر الله به .
قال سعيد بن عامر ، عن أو غيره قال : ما كان سلام بن أبي مطيع يونس بأكثرهم صلاة ، ولا صوما . ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له .
قال سعيد بن عامر : قال يونس : هان علي أن آخذ ناقصا ، وغلبني أن أعطي راجحا . وقيل : إن يونس نظر إلى قدميه عند الموت وبكى ، فقيل ما يبكيك أبا عبد الله ؟ قال : قدماي لم تغبر في سبيل الله .
قال : وحدثنا عن مبارك بن فضالة ، يونس بن عبيد قال : لا تجد من البر شيئا واحدا يتبعه البر كله غير اللسان . فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ، ويفطر [ ص: 292 ] على الحرام ، ويقوم الليل ، ويشهد بالزور بالنهار . وذكر أشياء نحو هذا . ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق ، فيخالف ذلك عمله أبدا .
وعن جار ليونس قال : ما رأيت أكثر استغفارا من يونس . كان يرفع طرفه إلى السماء ويستغفر .
قال حماد بن زيد : سمعت يونس يقول : توشك عينك أن ترى ما لم تر ، وأذنك أن تسمع ما لم تسمع ، ثم لا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو أشد منها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط .
وقال حماد بن زيد : شكى رجل إلى يونس وجعا في بطنه ، فقال له : يا عبد الله ، هذه دار لا توافقك ، فالتمس دارا توافقك .
وقال غسان بن المفضل الغلابي ، حدثني بعض أصحابنا قال : جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك . فقال : أيسرك ببصرك مائة ألف ؟ قال : لا . قال : فبسمعك ؟ قال : لا . قال : فبلسانك ؟ قال : لا . قال : فبعقلك ؟ قال : لا . في خلال . وذكره نعم الله عليه ، ثم قال يونس : أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة ؟ ! .
حماد بن زيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : عمدنا إلى ما يصلح الناس فكتبناه ، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه .
وعن يونس قال : يرجى للرهق بالبر الجنة ، ويخاف على المتأله بالعقوق النار .
قال حزم بن أبي حزم : مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود ، على باب ابن لاحق . فوقف . فقال : أصبح من إذا عرف السنة عرفها ، غريبا ، وأغرب منه الذي يعرفها .
[ ص: 293 ] قال سعيد بن عامر : حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس : مررت بقوم يختصمون في القدر . فقال : لو همتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر .
قال النضر بن شميل : غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة ، وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا . فلما كان بعد ذلك ، قال لصاحبه : هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا ؟ قال : لا . ولو علمت لم أبع . قال : هلم إلي مالي ، وخذ مالك . فرد عليه الثلاثين الألف .
قال حماد بن سلمة : سمعت يونس يقول : ما هم رجلا كسبه إلا همه أين يضعه .
مخلد بن الحسين ، عن قال : ما رأيت أحدا يطلب بالعلم وجه الله إلا هشام بن حسان يونس بن عبيد .
عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي ، حدثنا حماد بن زيد قال : قال يونس بن عبيد : ثلاثة احفظوهن عني : لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن ، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن ، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء .
ضمرة عن ابن شوذب ، سمعت يونس اجتمعا ، فتذاكرا الحلال والحرام فكلاهما قال : ما أعلم في مالي درهما حلالا . وابن عون
قلت : والظن بهما أنهما لا يعرفان في مالهما أيضا درهما حراما .
وقال ابن شوذب : سمعت يونس يقول : خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما : صلاته ولسانه .
[ ص: 294 ] وروى عن سلام بن أبي مطيع يونس قال : رحم الله الحسن ، إني لأحسب الحسن تكلم حسبة ، رحم الله محمدا إني لأحسبه سكت حسبة .
سعيد بن عامر ، حدثنا حرب بن ميمون الصدوق المسلم ، عن خويل ، يعني -ختن شعبة - قال : كنت عند يونس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ; تنهانا عن مجالسة وقد دخل عليه ابنك ؟ قال : ابني ! قال : نعم . فتغيظ الشيخ . فلم أبرح حتى جاء ابنه . فقال : يا بني ، قد عرفت رأيي في عمرو بن عبيد ، عمرو ثم تدخل عليه ؟ قال : كان معي فلان . وجعل يعتذر . قال : أنهاك عن الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر . ولأن تلقى الله بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو .
وقال سعيد بن عامر : قال يونس : إني لأعدها من نعمة الله أني لم أنشأ بالكوفة .
وقيل : التقى يونس وأيوب ، فلما تفرقا قال أيوب : قبح الله العيش بعدك .
وقال فضيل بن عبد الوهاب : حدثنا قال : أراد خالد بن عبد الله يونس بن عبيد أن يلجم حمارا : فلم يحسن . فقال لصاحب له : ترى الله كتب الجهاد على رجل لا يلجم حمارا ؟
أنبأني أحمد بن سلامة ، عن أبي المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن عبد الله التستري البزاز ، حدثنا محمد بن صدران ، حدثنا عامر بن أبي عامر الخراز ، سمعت يونس بن عبيد وهو يرثي بهذه الأبيات .
من الموت لا ذو الصبر ينجيه صبره ولا لجزوع كاره الموت مجزع
[ ص: 295 ]أرى كل ذي نفس وإن طال عمرها وعاشت ، لها سم من الموت منقع فكل امرئ لاق من الموت سكرة له ساعة فيها يذل ويضرع
وإنك من يعجبك لا تك مثله إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع
قلت : كان عبد الله بن علي بعد أن بويع بالخلافة بالشام وغيرها قد عمل مصافا مع فانهزم جيش أبي مسلم الخراساني ، عبد الله ، وفر هو إلى عند أخيه أمير البصرة سليمان فأجاره من المنصور .
فأما يونس بن عبيد فشيخ لا يعرف من موالي ثقيف . له عن : البراء بن عازب لم يرو عنه سوى كانت راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوداء من نمرة أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الثقفي . أخرجه أبو داود والترمذي . [ ص: 296 ] فيظنه من لا يدري أنه الإمام البصري صاحب الترجمة . وابن ماجه
وروى حميد بن هلال عن يونس ، عن البراء ، له في أول غريب أبي عبيد . فيقال له : إن صاحب الترجمة لا يدرك البراء . فيقول ما المانع من أن يكون روى عن البراء مرسلا ؟ فيقال له : إن صاحب الترجمة من موالي عبد القيس ، والراوي حديث الراية من موالي ثقيف .
وقد جمع أبو عروبة الحراني حديث يونس بن عبيد الإمام ، وقرأت من ذلك الجزء الأول والثاني ، على أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء في سنة أربع وتسعين ، عن عبد المعز بن محمد الهروي ، أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الأديب ، أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو عروبة بحران ، حدثنا إسحاق بن شاهين ، حدثنا خالد عن يونس ، عن الحكم بن الأعرج ، عن الأشعث بن ثرملة ، عن أبي بكرة ، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : هذا حديث صالح الإسناد ، أخرجه من قتل معاهدا بغير حله ، حرم الله عليه الجنة ، أن يجد ريحها من طريق النسائي ، عن ابن علية يونس .