موسى الكاظم ( ت ، ق )
الإمام ، القدوة السيد أبو الحسن العلوي ، والد الإمام علي بن موسى الرضي مدني نزل بغداد .
وحدث بأحاديث عن أبيه . وقيل : إنه روى عن عبد الله بن دينار ، وعبد الملك بن قدامة .
حدث عنه أولاده : علي ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وحسين . وأخواه : علي بن جعفر ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن صدقة العنبري ، وصالح بن يزيد . وروايته يسيرة لأنه مات قبل أوان الرواية ، رحمه الله .
ذكره أبو حاتم فقال : ثقة صدوق ، إمام من أئمة المسلمين .
قلت : له عند الترمذي ، حديثان . وابن ماجه
قيل : إنه ولد سنة ثمان وعشرين ومائة بالمدينة .
قال الخطيب : أقدمه المهدي بغداد ، ورده . ثم قدمها . وأقام ببغداد في أيام الرشيد ، قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومائة ، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه .
[ ص: 271 ] ثم قال الخطيب : أنبأنا الحسن بن أبي بكر ، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين قال : كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده . روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسجد سجدة في أول الليل ، فسمع وهو يقول في سجوده : عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة . فجعل يرددها حتى أصبح .
وكان سخيا كريما ، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار . وكان يصر الصرر بثلاثمائة دينار ، وأربعمائة ، ومائتين ، ثم يقسمها بالمدينة ، فمن جاءته صرة استغنى . حكاية منقطعة ، مع أن يحيى بن الحسن متهم .
ثم قال يحيى هذا : حدثنا إسماعيل بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبد الله البكري ، قال : قدمت المدينة أطلب بها دينا فقلت : لو أتيت موسى بن جعفر فشكوت إليه ، فأتيته بنقمى في ضيعته ، فخرج إلي ، وأكلت معه ، فذكرت له قصتي فأعطاني ثلاثمائة دينار . ثم قال يحيى : وذكر لي غير واحد أن رجلا من آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا ، وكان قد قال له بعض حاشيته : دعنا نقتله ، فنهاهم ، وزجرهم .
وذكر له أن العمري يزدرع بأرض ، فركب إليه في مزرعته ، فوجده ، فدخل بحماره ، فصاح العمري لا توطئ زرعنا . فوطئ بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل عنده وضاحكه . وقال : كم غرمت في زرعك هذا ؟ قال : مائة دينار . قال : فكم ترجو ؟ قال : لا أعلم الغيب وأرجو أن يجيئني مائتا دينار . فأعطاه ثلاثمائة دينار .
[ ص: 272 ] وقال : هذا زرعك على حاله . فقام العمري فقبل رأسه وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته . وجعل يدعو له كل وقت . فقال أبو الحسن لخاصته الذين أرادوا قتل العمري : أيما هو خير ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟ .
قلت : إن صحت ، فهذا غاية الحلم والسماحة .
قال أبو عبد الله المحاملي : حدثنا عبد الله بن أبي سعد ، حدثني محمد بن الحسين الكناني الليثي ، حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي ، وبلغ تسعين سنة ، قال : زرعت بطيخا وقثاء وقرعا بالجوانية ، فلما قرب الخير ، بيتني الجراد ، فأتى على الزرع كله . وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا . فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر ، فسلم ، ثم قال : أيش حالك ؟ فقلت : أصبحت كالصريم . قال : وكم غرمت فيه ؟ قلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين . وقلت : يا مبارك ، ادخل وادع لي فيها . فدخل ودعا . وحدثني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : تمسكوا ببقايا المصائب ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة زكت ، فبعت منها بعشرة آلاف .
الصولي ، حدثنا عون بن محمد ، سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول : حدثني الفضل بن الربيع ، عن أبيه قال : لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم عليا يقول : يا محمد : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ؟ قال الربيع : فأرسل إلي ليلا ، فراعني ، فجئته ، فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا . وقال : علي بموسى بن جعفر فجئته به ، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال : يا أبا الحسن : إني رأيت أمير [ ص: 273 ] المؤمنين يقرأ علي كذا . فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ؟ فقال : لا والله لا فعلت ذلك ; ولا هو من شأني . قال : صدقت . يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ، ورده إلى أهله إلى المدينة . فأحكمت أمره ليلا ، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق .
وقال الخطيب : أنبأنا أبو العلاء الواسطي ، حدثنا عمر بن شاهين ، حدثنا الحسين بن القاسم ، حدثني أحمد بن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال : حج الرشيد فأتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه موسى بن جعفر ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، يا ابن عم ، افتخارا على من حوله . فدنا موسى وقال : السلام عليك يا أبة ، فتغير وجه هارون ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقا .
قال يحيى بن الحسن العلوي ، حدثني عمار بن أبان قال : حبس موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك ، فسألته أخته أن تولى حبسه وكانت تدين ففعل . فكانت على خدمته ، فحكي لنا أنها قالت : كان إذا صلى العتمة ، حمد الله ومجده ودعاه . فلم يزل كذلك حتى يزول الليل . فإذا زال الليل ، قام يصلي حتى يصلي الصبح . ثم يذكر حتى تطلع الشمس ، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم يتهيأ ويستاك ، ويأكل . ثم يرقد إلى قبل الزوال ، ثم يتوضأ ويصلي العصر ، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة فكانت تقول : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل . وكان عبدا صالحا .
وقيل : بعث إلى موسى الكاظم الرشيد برسالة من الحبس يقول : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .
[ ص: 274 ] وعن عبد السلام بن السندي قال : كان موسى عندنا محبوسا ، فلما مات ، بعثنا إلى جماعة من العدول ، من الكرخ فأدخلناهم عليه ، فأشهدناهم على موته ، ودفن في مقابر الشونيزية .
قلت : له مشهد عظيم مشهور ببغداد . دفن معه فيه حفيده الجواد . ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس . وكانت وفاة في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة عاش خمسا وخمسين سنة وخلف عدة أولاد . الجميع من إماء : موسى الكاظم علي ، والعباس ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، وحسن ، وأحمد ، ومحمد ، وعبيد الله ، وحمزة ، وزيد ، وإسحاق ، وعبد الله ، والحسين ، وفضل ، وسليمان ، سوى البنات ، سمى الجميع : الزبير في " النسب " .