قال ابن إسحاق : وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فتوجه إلى مكة ، وهي طريقه إلى اليمن ، حتى إذا كان بين عسفان ، وأمج ، أتاه نفر من [ ص: 24 ] هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ، فقالوا له : أيها الملك ، ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال : بلى ، قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ، ويصلون عنده
وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده . فلما أجمع لما قالوا أرسل إلى الحبرين ، فسألهما عن ذلك ، فقالا له : ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك ، ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا - قال : فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه ، قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله : تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده ، وتذل له ، حتى تخرج من عنده ، قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قال : أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم . وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهرقون عنده ، وهم نجس أهل شرك - أو كما قالا له - فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم مضى حتى قدم مكة . فطاف بالبيت ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس ، ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ، وأرى في المنام أن يكسو البيت ، فكساه الخصف ، ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه المعافر ، ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه الملاء والوصائل ، فكان تبع - فيما يزعمون [ ص: 25 ] أول من كسا البيت ، وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما ولا ميتة ولا مئلاة ، وهي المحايض ، وجعل له بابا ومفتاحا وقالت سبيعة بنت الأحب بن زبينة بن جذيمة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، وكانت عند عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، لابن لها منه يقال له خالد ، تعظم عليه حرمة مكة ، وتنهاه عن البغي فيها ، وتذكر تبعا وتذلله لها ، وما صنع بها :
أبني لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير واحفظ محارمها بن
ي ولا يغرنك الغرور أبني من يظلم بمكة
يلق أطراف الشرور [ ص: 26 ] أبني يضرب وجهه
ويلح بخديه السعير أبني قد جربتها
فوجدت ظالمها يبور الله أمنها وما
بنيت بعرصتها قصور والله أمن طيرها
والعصم تأمن في ثبير ولقد غزاها تبع
فكسا بنيتها الحبير وأذل ربي ملكه
فيها فأوفى بالنذور يمشي إليها حافيا
بفنائها ألفا بعير ويظل يطعم أهلها
لحم المهارى والجزور يسقيهم العسل المصفى
والرحيض من الشعير والفيل أهلك جيشه
يرمون فيها بالصخور والملك في أقصى البلا
د وفي الأعاجم والخزير فاسمع إذا حدثت وافهم
كيف عاقبة الأمور