يقول - تعالى ذكره - : وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد ، فإن ما تلوته عليهم ، وسمعوه منك ( زادهم هدى ) يقول : زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم ، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم . وقد ذكر أن الذي تلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القرآن ، فقال أهل النفاق منهم لأهل الإيمان ، ماذا قال آنفا ، وزاد الله أهل الهدى منهم هدى ، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم مضى به قبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني [ ص: 171 ] أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) قال : لما أنزل الله القرآن آمنوا به ، فكان هدى ، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى .
وقوله ( وآتاهم تقواهم ) يقول - تعالى ذكره - : وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم ، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه .
وقوله ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ) يقول - تعالى ذكره - : فهل ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها ، والمعنى : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة . و ( أن ) من قوله ( إلا أن ) في موضع نصب بالرد على الساعة ، وعلى فتح الألف من ( أن تأتيهم ) ونصب ( تأتيهم ) بها قراءة أهل الكوفة .
وقد حدثت عن الفراء قال : حدثني أبو جعفر الرؤاسي قال : قلت : ما هذه الفاء التي في قوله ( لأبي عمرو بن العلاء فقد جاء أشراطها ) قال : جواب الجزاء ، قال : قلت : إنها إن تأتيهم ، قال : فقال : معاذ الله ، إنما هي " إن تأتهم " ; قال الفراء : فظننت أنه أخذها عن أهل مكة ، لأنه قرأ ، قال الفراء : وهي أيضا في بعض مصاحف الكوفيين بسنة واحدة " تأتهم" ولم يقرأ بها أحد منهم .
وتأويل الكلام على قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف " إن" وجزم " تأتهم" فهل ينظرون إلا الساعة ؟ فيجعل الخبر عن انتظار هؤلاء الكفار الساعة متناهيا عند قوله ( إلا الساعة ) ، ثم يبتدأ الكلام فيقال : إن تأتهم الساعة بغتة فقد جاء أشراطها ، فتكون الفاء من قوله ( فقد جاء ) بجواب الجزاء .
وقوله ( فقد جاء أشراطها ) يقول : فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدماتها ، وواحد الأشراط : شرط ، كما قال جرير : [ ص: 172 ]
ترى شرط المعزى مهور نسائهم وفي شرط المعزى لهن مهور
ويروى : " ترى قزم المعزى" ، يقال منه : أشرط فلان نفسه : إذا علمها بعلامة ، كما قال أوس بن حجر :
فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فقد جاء أشراطها ) يعني : أشراط الساعة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ) قد دنت الساعة ودنا من الله فراغ العباد .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فقد جاء أشراطها ) قال : أشراطها : آياتها . [ ص: 173 ]
وقوله ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) يقول - تعالى ذكره - : فمن أي وجه لهؤلاء المكذبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيعوا وفرطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة ، يقول : ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم ، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) يقول : إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا ؟ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) قال : أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) قال : الساعة ، لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم ، والذكرى في موضع رفع بقوله ( فأنى لهم ) لأن تأويل الكلام : فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة .