القول في تأويل قوله تعالى : ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ( 16 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن هؤلاء الكفار يا محمد ( من يستمع إليك ) وهو المنافق ، فيستمع ما تقول فلا يعيه ولا يفهمه ، تهاونا منه بما تتلو عليه من كتاب ربك ، تغافلا عما تقوله ، وتدعو إليه من الإيمان ، ( حتى إذا خرجوا من عندك ) قالوا إعلاما منهم لمن حضر معهم مجلسك من أهل العلم بكتاب الله ، وتلاوتك عليهم ما تلوت ، وقيلك لهم ما قلت ، إنهم لن يصغوا أسماعهم لقولك وتلاوتك ( ماذا قال ) لنا محمد ( آنفا ) ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك ) هؤلاء المنافقون ، دخل رجلان : رجل ممن عقل عن الله وانتفع بما سمع ، ورجل لم يعقل عن الله ، فلم ينتفع بما سمع ، كان يقال : الناس ثلاثة : فسامع عامل ، وسامع غافل ، وسامع تارك .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ومنهم من يستمع إليك ) قال : هم المنافقون . وكان يقال : الناس ثلاثة : سامع فعامل ، وسامع فغافل ، وسامع فتارك .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن آدم شريك ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن يحيى بن الجزار ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ) قال ابن عباس : أنا منهم ، وقد سئلت فيمن سئل . [ ص: 170 ]
حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء المنافقون ، والذين أوتوا العلم : الصحابة رضي الله عنهم .
وقوله ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم ، فهم لا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله عليه الصلاة والسلام ( واتبعوا أهواءهم ) يقول : ورفضوا أمر الله ، واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم ، فهم لا يرجعون مما هم عليه إلى حقيقة ولا برهان ، وسوى - جل ثناؤه - بين صفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين ، في أن جميعهم إنما يتبعون فيما هم عليه من فراقهم دين الله ، الذي ابتعث به محمدا - صلى الله عليه وسلم - أهواءهم ، فقال في هؤلاء المنافقين : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك ( كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) .