القول في تأويل قوله تعالى : ( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا )
يقول تعالى ذكره : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا وآتى موسى الكتاب ، ورد الكلام إلى ( وآتينا ) وقد ابتدأ بقوله أسرى لما قد ذكرنا قبل فيما مضى من فعل العرب في نظائر ذلك من ابتداء الخبر بالخبر عن الغائب ، ثم الرجوع إلى الخطاب وأشباهه . وعنى بالكتاب الذي أوتي موسى : التوراة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) يقول : وجعلنا الكتاب الذي هو التوراة بيانا للحق ، ودليلا لهم على محجة الصواب فيما افترض عليهم ، وأمرهم به ، ونهاهم عنه .
وقوله ( ألا تتخذوا من دوني وكيلا )
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ( ألا تتخذوا ) بالتاء بمعنى : وآتينا موسى الكتاب بأن لا تتخذوا يا بني إسرائيل ( من دوني وكيلا ) . وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ( ألا يتخذوا ) بالياء على الخبر عن بني إسرائيل ، بمعنى : وجعلناه هدى لبني إسرائيل ، ألا يتخذ بنو إسرائيل من دوني وكيلا وهما قراءتان صحيحتا المعنى ، متفقتان غير مختلفتين ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، غير أني أوثر القراءة بالتاء ، لأنها أشهر في القراءة وأشد استفاضة فيهم من القراءة بالياء . ومعنى [ ص: 353 ] الكلام : وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا حفيظا لكم سواي . وقد بينا معنى الوكيل فيما مضى . وكان مجاهد يقول : معناه في هذا الموضع : الشريك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) قال : شريكا .
وكأن جعل إقامة من أقام شيئا سوى الله مقامه شريكا منه له ، ووكيلا للذي أقامه مقام الله . مجاهدا
وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الآية ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) جعله الله لهم هدى ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وجعله رحمة لهم .