القول في تأويل قوله تعالى : ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا )
يقول تعالى ذكره : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ذرية من حملنا مع نوح . وعنى بالذرية : جميع من احتج عليه جل ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم ، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم ، وذلك أن كل من على الأرض من بني آدم ، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ذرية من حملنا مع نوح ) والناس كلهم ذرية من أنجى الله في تلك السفينة ، وذكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذ غير نوح وثلاثة بنين له ، وامرأته وثلاث نسوة ، وهم : سام ، وحام ، ويافث; فأما سام : فأبو العرب; وأما حام : فأبو الحبش ; وأما يافث : فأبو الروم . [ ص: 354 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ذرية من حملنا مع نوح ) قال : بنوه ثلاثة ونساؤهم ، ونوح وامرأته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قالا ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال مجاهد : بنوه ونساؤهم ونوح ، ولم تكن امرأته .
وقد بينا في غير هذا الموضع فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
وقوله ( إنه كان عبدا شكورا ) يعني بقوله تعالى ذكره : " إنه " إن نوحا ، والهاء من نوح كان عبدا شكورا لله على نعمه . ذكر
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا ، فقال بعضهم : سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، يحيى قالا ثنا وعبد الرحمن بن مهدي ، سفيان ، عن التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله ، فسمي عبدا شكورا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا ثنا سفيان عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد بن مسعود بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد بن مسعود قال : ما لبس نوح جديدا قط ، ولا أكل طعاما قط إلا حمد الله فلذلك قال الله ( عبدا شكورا ) .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : ثني قال : ثني سفيان الثوري ، أيوب ، عن عن أبي عثمان النهدي ، سلمان ، قال : إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبا حمد الله ، وإذا أكل طعاما حمد الله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( ذرية من حملنا مع نوح ) من بني إسرائيل وغيرهم ( إنه كان عبدا شكورا ) قال : إنه لم يجدد ثوبا قط إلا حمد الله ، ولم يبل ثوبا قط إلا حمد الله ، وإذا شرب شربة حمد الله ، قال : الحمد لله الذي سقانيها على شهوة ولذة وصحة ، وليس في تفسيرها ، وإذا شرب شربة قال هذا ، ولكن بلغني ذا . [ ص: 355 ]
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو فضالة ، عن النضر بن شفي ، عن عمران بن سليم ، قال : إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال : الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني ، وإذا لبس ثوبا قال : الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني ، وإذا لبس نعلا قال : الحمد لله الذي حذاني ، ولو شاء أحفاني ، وإذا قضى حاجة قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه ، ولو شاء حبسه .
وقال آخرون في ذلك بما حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدثه ، قال : إنما سمى الله نوحا عبدا شكورا ، أنه كان إذا خرج البراز منه قال : الحمد لله الذي سوغنيك طيبا ، وأخرج عنى أذاك ، وأبقى منفعتك .
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا به بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله لنوح ( إنه كان عبدا شكورا ) ذكر لنا أنه لم يستجد ثوبا قط إلا حمد الله ، وكان يأمر إذا استجد الرجل ثوبا أن يقول : الحمد لله الذي كساني ما أتجمل به ، وأواري به عورتي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إنه كان عبدا شكورا ) قال : كان إذا لبس ثوبا قال : الحمد لله ، وإذا أخلقه قال : الحمد لله .