القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( 28 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعا ، ثم نقول حينئذ للذين أشركوا بالله الآلهة والأنداد : ( مكانكم ) ، أي : [ ص: 78 ] امكثوا مكانكم ، وقفوا في موضعكم أنتم ، أيها المشركون ، وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الآلهة والأوثان ( فزيلنا بينهم ) ، يقول : ففرقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به .
[ من قولهم : " زلت الشيء أزيله " إذا فرقت بينه ] وبين غيره وأبنته منه . وقال : " فزيلنا " إرادة تكثير الفعل وتكريره ، ولم يقل : " فزلنا بينهم " .
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : ( فزايلنا بينهم ) ، كما قيل : ( ولا تصعر خدك ) ، [ سورة لقمان : 18 ] ، والعرب تفعل ذلك كثيرا في " فعلت " يلحقون فيها أحيانا ألفا مكان التشديد ، فيقولون : " فاعلت " إذا كان الفعل لواحد . وأما إذا كان لاثنين ، فلا تكاد تقول إلا " فاعلت " .
( وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) ، وذلك حين ( تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) ، لما قيل للمشركين : " اتبعوا ما كنتم تعبدون من دون الله " ونصبت لهم آلهتهم ، قالوا : " كنا نعبد هؤلاء " ! ، فقالت الآلهة لهم : ( ما كنتم إيانا تعبدون ) كما :
17648 - حدثت عن عن مسلم بن خالد ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : يكون يوم القيامة ساعة فيها شدة ، تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدون ، فيقال : " هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله " فتقول الآلهة : " والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا " ! فيقولون : " والله لإياكم [ ص: 79 ] كنا نعبد " فتقول لهم الآلهة : ( فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) .
17649 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم ) قال : فرقنا بينهم ( وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) قالوا : بلى ، قد كنا نعبدكم! فقالوا : ( كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) ، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نتكلم! فقال الله : ( هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) ، الآية .
وروي عن مجاهد أنه كان يتأول " الحشر " في هذا الموضع ، الموت .
17650 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش قال : سمعتهم يذكرون عن مجاهد في قوله : ( ويوم نحشرهم جميعا ) ، قال : الحشر الموت .
قال أبو جعفر : والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله ، لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه يقول يومئذ للذين أشركوا ما ذكر أنه يقول لهم ، ومعلوم أن ذلك غير كائن في القبر ، وأنه إنما هو خبر عما يقال لهم ، ويقولون في الموقف بعد البعث .