قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات
( قطعا من الليل ) ، وهي جمع " قطعة " .
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما :
17647 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة : ( كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) ، قال : ظلمة من الليل .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( قطعا ) فقرأته عامة قراء الأمصار : ( قطعا ) بفتح الطاء ، على معنى جمع " قطعة " [ ص: 76 ] وعلى معنى أن تأويل ذلك : كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل ، ثم جمع ذلك فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد ، إذ جمع " الوجه " .
وقرأه بعض متأخري القراء : " قطعا " بسكون الطاء ، بمعنى : كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل ، وبقية من الليل ساعة منه ، كما قال : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ) ، [ سورة هود : 81 سورة الحجر : 65 ] ، أي : ببقية قد بقيت منه .
ويعتل لتصحيح قراءته كذلك ، أنه في صحف أبي : ( ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم ) .
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي ، قراءة من قرأ ذلك بفتح الطاء ، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها ، وشذوذ ما عداها . وحسب الأخرى دلالة على فسادها خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام .
فإن قال لنا قائل : فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت ، فما وجه تذكير " المظلم " وتوحيده ، وهو من نعت " القطع " ، و " القطع " جمع لمؤنث ؟
قيل : في تذكير ذلك وجهان :
أحدهما : أن يكون قطعا من " الليل " . وأن يكون من نعت " الليل " فلما كان نكرة ، و " الليل " معرفة ، نصب على القطع .
فيكون معنى الكلام حينئذ : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم ثم حذفت الألف واللام [ ص: 77 ] من " المظلم " فلما صار نكرة وهو من نعت " الليل " ، نصب على القطع . وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك " حالا " والكوفيون " قطعا " .
والوجه الآخر : على نحو قول الشاعر :
لو أن مدحة حي منشر أحدا
والوجه الأول أحسن وجهيه .
وقوله : ( أولئك أصحاب النار ) ، يقول : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها
( هم فيها خالدون ) ، يقول : هم فيها ماكثون .