الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 27 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات

( قطعا من الليل ) ، وهي جمع " قطعة " .

وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما :

17647 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة : ( كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) ، قال : ظلمة من الليل .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( قطعا ) فقرأته عامة قراء الأمصار : ( قطعا ) بفتح الطاء ، على معنى جمع " قطعة " [ ص: 76 ] وعلى معنى أن تأويل ذلك : كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل ، ثم جمع ذلك فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد ، إذ جمع " الوجه " .

وقرأه بعض متأخري القراء : " قطعا " بسكون الطاء ، بمعنى : كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل ، وبقية من الليل ساعة منه ، كما قال : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ) ، [ سورة هود : 81 سورة الحجر : 65 ] ، أي : ببقية قد بقيت منه .

ويعتل لتصحيح قراءته كذلك ، أنه في صحف أبي : ( ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم ) .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي ، قراءة من قرأ ذلك بفتح الطاء ، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها ، وشذوذ ما عداها . وحسب الأخرى دلالة على فسادها خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام .

فإن قال لنا قائل : فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت ، فما وجه تذكير " المظلم " وتوحيده ، وهو من نعت " القطع " ، و " القطع " جمع لمؤنث ؟

قيل : في تذكير ذلك وجهان :

أحدهما : أن يكون قطعا من " الليل " . وأن يكون من نعت " الليل " فلما كان نكرة ، و " الليل " معرفة ، نصب على القطع .

فيكون معنى الكلام حينئذ : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم ثم حذفت الألف واللام [ ص: 77 ] من " المظلم " فلما صار نكرة وهو من نعت " الليل " ، نصب على القطع . وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك " حالا " والكوفيون " قطعا " .

والوجه الآخر : على نحو قول الشاعر :


لو أن مدحة حي منشر أحدا



والوجه الأول أحسن وجهيه .

وقوله : ( أولئك أصحاب النار ) ، يقول : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها

( هم فيها خالدون ) ، يقول : هم فيها ماكثون .

التالي السابق


الخدمات العلمية