روى ابن سعد عن وابن عساكر - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابن اثنتي عشرة سنة . قال داود بن الحصين : وهو الثبت . البلاذري
وروى عن أبو نعيم رضي الله تعالى عنه علي بن أبي طالب وابن سعد عن وابن عساكر عبد الله بن محمد بن عقيل وابن سعد عن ، عبد الرحمن بن أبزى والبزار وحسنه عن والترمذي ، أبي موسى الأشعري وابن سعد عن داود بن الحصين ، عن وأبو نعيم محمد بن عمر الأسلمي ، عن والبيهقي محمد بن إسحاق قالوا : إن أبا طالب أراد المسير في ركب إلى الشام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي عم إلى من تخلفني ها هنا ؟ وصب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق له أبو طالب فلما سارا أردفه خلفه فخرج به فنزلوا على صاحب دير فقال صاحب الدير : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال : ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي . قال : ولم ؟ قال : لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي . قال : وما النبي ؟ قال : الذي يوحى إليه من السماء فينبئ أهل الأرض .
قال الله أجل مما تقول . قال فاتق عليه اليهود .
ثم خرج حتى نزل براهب أيضا صاحب دير فقال : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني قال :
ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي . قال : ولم ؟ قال : لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي . قال : سبحان الله! أجل مما تقول .
وقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أخي ألا تسمع ما يقولون ؟ قال : أي عم لا تنكر لله قدرة .
خبر بحيرا فلما نزل الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له قال : وكان أعلم أهل النصرانية . فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا قريبا من صومعته فرأى وهو في صومعته رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها ، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هذا سيد العالمين هذا يبعثه الله رحمة للعالمين . فقال له أشياخ من قريش : وما علمك ؟ قال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يمر بشجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا [ ص: 141 ] يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة . ثم رجع وأمر بطعام كثير فصنع ثم أرسل إليهم فقال : إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم . فقال رجل : يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فيما شأنك ؟ فقال بحيرا : صدقت قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه . فاجتمعوا إليه ، فلما أتاهم به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم راح مع من يرعى الإبل . وفي رواية : فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم ، فلما نظر بحيرا لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا قالوا : ما تخلف عنك أحد يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالنا . فقال : لا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام . فقام ابن إسحاق الحارث بن عبد المطلب فأتى به ، فلما أقبل وعليه غمامة تظله فقالوا : انظروا إليه عليه غمامة تظله . فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا ما فيء الشجرة عليه هذا نبي هذه الأمة الذي يرسله الله إلى الناس كافة .
وفي «الزهر» نقلا عن محمد بن عمر الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارق تلك الشجرة التي كان جالسا تحتها وقام انفلقت من أصلها حين فارقها وجعل يلحظه لحظا شديدا ينظر إلى أشياء من بدنه قد كان يجدها عنده في صفته وقال لقومه : هذه الحمرة التي في عينيه تأتي وتذهب أو لا تفارقه ؟ قالوا : ما رأيناها فارقته قط . فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه . وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا . فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك . فقال : سلني عما بدا لك . فجعل يسأله عن أشياء عن حال نومه ويقظته وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته عنده فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني . فقال بحيرا : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون له أب حي . قال : فإنه ابن أخي . قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حامل به . قال : صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك شأن . فأسرع به إلى بلاده ولا تذهب به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه . [ ص: 142 ]
والتفت عنه بحيرا فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟
قالوا : جئنا إلى هذا النبي الذي هو خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا . قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟
قالوا : لا فبايعوه وأقاموا معه . فأتى قريشا فقال : أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا : أبو طالب . فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وأرسل معه رجلا وزودهم الراهب من الكعك والزيت .
وقال : أبو طالب في هذه السفرة قصائد منها ما ذكره ابن إسحاق وأبو هفان في ديوان شعر أبي طالب :
إن ابن آمنة الأمين محمدا عندي بمثل منازل الأولاد لما تعلق بالزمام رحمته
والعيس قد قلصن بالأزواد فارفض من عيني دمع ذارف
مثل الجمان مفرق الأفراد راعيت منه قرابة موصولة
وحفظت فيه وصية الأجداد وأمرته بالسير بين عمومة
بيض الوجوه مصالت أنجاد ساروا لأبعد طية معلومة
فلقد تباعد طية المرتاد حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا
لاقوا على شرك من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثا صادقا
عنه ورد معاشر الحساد قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى
ظل الغمامة ثاغري الأكباد ساروا لفتك محمد فنهاهم
عنه وأجهد أحسن الإجهاد فثنى زبيراء بحير فانثنى
في القوم بعد تجادل وتعاد ونهى دريسا فانتهى لما نهي
عن قول حبر ناطق بسداد
بكى حزنا لما رآني محمد كأن لا يراني راجعا لمعاد
فبت يجافيني تهلل دمعه وعبرته عن مضجعي ووسادي
فقلت له قرب قتودك وارتحل لا تخش مني جفوة ببلاد
وحل زمام العيس وارحل بنا معا على عزمة من أمرنا ورشاد
رح رائحا في الرائحين مشيعا لذي رحم والقرم غير بعاد
فرحنا مع القوم التي راح ركبها يؤمون من غورين أرض إياد
[ ص: 143 ] فما رجعوا حتى رأوا من محمد أحاديث تجلو رين كل فؤاد
وحتى رأوا أحبار كل مدينة سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدا دريس فهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا فأيقنوا به بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للركب الذين تهودوا وجاهدهم في الله حق جهاد
وقال ولم يترك له النصح رده فإن له أرصاد كل مضاد
فإني أخاف الحاسدين وإنه لفي الكتب مكتوب بأي مداد
ألم ترني من بعد هم هممته بفرقة حر الوالدين كرام
بأحمد لما أن شددت مطيتي برحلي وقد ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا وأمسك بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة بحورا من العينين ذات سجام
فقلت تروح راشدا في عمومة مواسين في البأساء غير لئام
فرحنا مع العير التي راح أهلها شام الهوى والأصل غير شام
فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا لنا بشراب طيب وطعام
فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيما فقال ادعوه إن طعامنا كثير عليه القوم غير حرام
فلما رآه مقبلا نحو داره توقيه حر الشمس ظل غمام
حنى رأسه شبه السجود وضمه إلى نحره والصدر أي ضمام
وأقبل ركب يطلبون الذي رأى بحيرا من الأعلام وسط خيام
فثار إليهم خشية لغرامهم وكانوا ذوي مكر معا وغرام
دريس وتمام وقد كان فيهم زبير وكل القوم غير نيام
فجاءوا وقد هموا بقتل محمد فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تفرقوا فقال لهم ما أنتم بطغا
[ ص: 144 ] فذلك من أعلامه وبيانه وليس نهار واضح كظلام