الباب الرابع والعشرون في رضي الله تعالى عنهما إلى زيد بن حارثة جذام من أرض حسمى وراء سرية وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست .
روى عمن لا يتهم عن رجال من ابن إسحاق جذام كانوا علماء بها ، ومحمد بن عمر عن شيوخه وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن شيخ من بني سعد هذيم كان قديما يخبر عن أبيه ، قال رحمه الله تعالى ابن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام فاستجابوا له . ثم لم يلبث أن قدم أن من عند دحية بن خليفة الكلبي قيصر صاحب الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقد أجازه وكساه . فلقيه الهنيد بن عوص وابنه عوص [بن الهنيد] كما عند فيهما ، وقال ابن إسحاق ابن سعد : عارض فيهما : [الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد] الصلعيان- والصليع بطن من جذام- فأصابا كل شيء كان مع دحية ولم يتركوا عليه إلا سمل ثوب . فبلغ ذلك قوما من بني الضبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه فاقتتلوا واستنقذوا لدحية متاعه .
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره ، واستسقاه دم دحية الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسمائة رجل ورد معه زيد بن حارثة فكان دحية . زيد يسير الليل ويكمن النهار ، ومعه دليل له من بني عذرة .
وقد اجتمعت بطون ، منهم : غطفان كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا حرة الرجلاء ، ورفاعة بكراع ربة لم يعلم . وأقبل الدليل العذري بزيد بن حارثة وأصحابه حتى هجم بهم مع الصبح على الهنيد وابنه ومن كان في محلتهم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم . فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه . وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم فأصابوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة ومن السبي مائة من النساء والصبيان .
فلما سمع بنو الضبيب بما صنع ركبوا فيمن ركب . فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال زيد بن حارثة حسان بن ملة : «إنا قوم مسلمون» . فقال : «فاقرأ أم الكتاب» . فقرأها زيد بن حارثة فقال حسان زيد : نادوا في الجيش أن يهبطوا إلى ورائهم الذي جاءوا منه فأمسوا في ناديهم .
فلما أمسكوا ركبوا إلى رفاعة بن زيد فصبحوه ، وقال له حسان بن ملة : «إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرك كتابك الذي جئت به» . فدعا رفاعة بجمل فشد عليه رحله وخرج معه أبو زيد [بن عمرو]- وعند ابن سعد أبو يزيد بن عمرو- وجماعة ، فساروا [ ص: 89 ]
ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رآهم ألاح لهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فاستفتح رفاعة بن زيد المنطق ، فقام رجل من الناس فقال : «يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة» فرددها مرتين فقال رفاعة بن زيد : رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا إلا خيرا» .
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له ، فقال : دونك يا رسول الله [قديما كتابه حديثا غدره]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرأه يا غلام وأعلن» . فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبروه بما صنع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف أصنع بالقتلى ؟ » ثلاث مرار . فقال زيد بن حارثة رفاعة : «أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالا ولا نحل لك حراما» . فقال أبو زيد بن عمرو : «أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صدق أبو زيد» . فقال القوم : فابعث معنا يا رسول الله رجلا يخلي بيننا وبين حرمنا وأموالنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انطلق معهم يا علي» . فقال علي :
«يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني» قال : «فخذ سيفي هذا» . فأخذه . فقال له «ليس لي راحلة يا رسول الله» . فحملوه على بعير علي : لثعلبة بن عمرو ويقال له مكحال . فخرجوا حتى لقوا رافع بن مكيث الجهني ، بشير يسير على ناقة من إبل القوم ، فردها زيد بن حارثة على القوم . ورجع علي رافع بن مكيث مع رديفا حتى لقوا علي زيد بن حارثة بفيفاء الفحلتين ، فقال علي :
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترد على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال» . فقال زيد : «علامة من رسول الله» فقال علي : «هذا سيفه» فعرفه زيد ، فنزل وصاح في الناس ، فاجتمعوا فقال : «من كان معه شيء من سبي أو مال فليرده ، فهذا [رسول] رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فرد على الناس كافة كل ما كان أخذ لهم حتى كانوا ينزعون المرأة من تحت فخذل الرجل» .
وروى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن محجن الديلي رضي الله تعالى عنه قال :
«كنت في تلك السرية ، فصار لكل رجل سبعة أبعرة أو سبعون شاة وصار له من السبي المرأة والمرأتان حتى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله إلى أهله» . قال في زاد المعاد : «وهذه السرية كانت بعد الحديبية بلا شك» .