من جملة الشرور، بل قد يتعين على الإنسان فرضان أحدهما يفوت، والآخر لا يفوت، أو فضلان أحدهما يضيق وقته، والآخر يتسع وقته، فإن لم يحفظ الترتيب فيه كان مغرورا، ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى، فإن المعصية ظاهرة، والطاعة ظاهرة، وإنما الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض كتقديم الفرائض كلها على النوافل، وتقديم فروض الأعيان على فروض الكفايات، وتقديم فرض كفاية لا قائم به على ما قام به غيره، وتقديم الأهم من فروض الأعيان على ما دونه، وتقديم ما يفوت على ما لا يفوت، وهذا كما يجب تقديم حاجة الوالدة على حاجة الوالد، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: وترك الترتيب بين الخيرات فينبغي أن يبتدئ في الصلة بالأقرب فإن استويا فبالأحوج ، فإن استويا فبالأتقى والأورع . من أبر يا رسول الله قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك. قال: ثم من؟ قال: ثم أدناك فأدناك
وكذلك من لا يفي ماله بنفقة الوالدين والحج فربما يحج وهو مغرور ، بل ينبغي أن يقدم حقهما على الحج ، وهذا من تقديم فرض أهم من فرض هو دونه .
وكذلك إذا كان على العبد ميعاد ودخل وقت الجمعة ، فالجمعة تفوت والاشتغال بالوفاء بالوعد ، معصية ، وإن كان هو طاعة في نفسه .
وكذلك قد تصيب ثوبه النجاسة ، فيغلظ القول على أبويه وأهله بسبب ذلك ، فالنجاسة محذورة ، وإيذاؤهما محذور والحذر من الإيذاء أهم من الحذر من النجاسة .
وأمثلة تقابل المحذورات والطاعات لا تنحصر .
ومن ترك الترتيب في جميع ذلك فهو مغرور .
وهذا غرور في غاية الغموض لأن المغرور فيه في طاعة إلا أنه لا يفطن لصيرورة الطاعة معصية حيث ترك بها طاعة واجبة هي أهم منها .
ومن جملته الاشتغال بالمذهب والخلاف من الفقه في حق من بقي عليه شغل من الطاعات والمعاصي الظاهرة والباطنة المتعلقة بالجوارح والمتعلقة بالقلب ; لأن مقصود الفقه معرفة ما يحتاج إليه غيره في حوائجه .
فمعرفة ما يحتاج هو إليه في قلبه أولى به إلا أن حب الرياسة والجاه ولذة المباهاة وقهر الأقران والتقدم عليهم يعمي عليه حتى يغتر به مع نفسه ، ويظن أنه مشغول بهم دينه .