أما الدرجة الرابعة وهو ، فالحلال عندهم كل ما لا تتقدم في أسبابه معصية ولا يستعان به على معصية ولا يقصد منه في الحال والمآل قضاء وطر بل يتناول لله تعالى فقط وللتقوي على عبادته واستبقاء الحياة لأجله وهؤلاء هم الذين يرون كل ما ليس لله حراما امتثالا لقوله تعالى ورع الصديقين قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذه رتبة الموحدين المتجردين عن حظوظ أنفسهم المنفردين لله تعالى بالقصد ولا شك في أن من يتورع عما يوصل إليه أو يستعان عليه بمعصية ليتورع ، عما يقترن بسبب اكتسابه معصية أو كراهية ، فمن ذلك ما روي عن يحيى بن كثير أنه شرب الدواء فقالت له امرأته لو تمشيت في الدار قليلا حتى يعمل الدواء فقال : هذه مشية لا أعرفها ، وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة فكأنه لم تحضره نية في هذه المشية تتعلق بالدين فلم يجز الإقدام عليها .
وعن سري رحمه الله أنه قال : انتهيت إلى حشيش في جبل وماء يخرج منه فتناولت من الحشيش وشربت من الماء وقلت في نفسي : إن كنت قد أكلت يوما حلالا طيبا ، فهو هذا اليوم فهتف بي هاتف إن القوة التي أوصلتك إلى هذا الموضع من أين هي ، فرجعت وندمت .