باب في النكاح بربع دينار، وفي ، وفي النكاح بالإجارة، أو على أن يحججها ، أو على أن يكون الصداق إلى أجل معلوم، أو مجهول، أو بدين على غير الزوج، أو على ما يخرج من يد الزوج ولا تملكه الزوجة وجوب الصداق ومنع الهبة في النكاح
الصداق واجب لقول الله تعالى: فآتوهن أجورهن فريضة [النساء: 24]. وإسقاطه ممنوع، لقول الله سبحانه في الهبة : خالصة لك من دون المؤمنين [الأحزاب: 50] فالصداق يتضمن حقين:
حقا لله سبحانه وتعالى لا يجوز إسقاطه، وهو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم نقرة، أو ما يقوم مقامهما .
وحقا لها، وهو ما بعد ذلك إلى صداق مثلها ، فلها أن تسقطه إن شاءت.
فأكثر الصداق لا حد له وهو على ما يتراضيان عليه من رخص، أو غلاء كالبياعات. وأقله له حد لا يقتصر على دونه وهو حق لله تعالى. [ ص: 1938 ]
وقد اختلف في حد أقله فقال : ربع دينار أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي أحدهما، وقيل: ما يساوي ثلاثة دراهم، وهو موافق لقول مالك في السرقة: إنها تقوم بالدراهم. وقال ابن القاسم ربيعة في كتاب وابن وهب : يجوز النكاح بالدرهم ، والسوط والنعلين اتباعا للحديث. وقال ابن حبيب في كتاب ربيعة : يجوز بنصف درهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن شعبان . وقد خرج هذا مخرج التقليل، ولقوله: "التمس ولو خاتما من حديد" فقال في كتاب "زوجناكها بما معك من القرآن" : مسلم ، ولم يقل في الأول: ايت بما قيمته ربع دينار، ولا في الثاني علمها ما يكون قيمة ذلك، فلو كان محدودا بينه كما بين نصاب السرقة والزكاة، ولأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. "فعلمها من القرآن"
واحتج من قال إنه لا يكون أقل من ربع دينار بقول الله تعالى: أن تبتغوا بأموالكم ، وبقوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات الآية [النساء: 25]. وكل هذا يقتضي كونه له بال، إذ لا يتعذر في الغالب الدرهم والدرهمان، وليس هذا بالبين; لأن الآية الأولى [ ص: 1939 ] تقتضي أن لا يكون صداقا ، إلا ما يقع عليه اسم مال. وثلاثة دراهم ليست بمال. قال الله تعالى: خذ من أموالهم صدقة [التوبة: 103] فالصدقة لا تجب في ثلاثة دراهم.
وقال محمد فيمن أقر لرجل بمال: فأقله ما تجب فيه الزكاة، وإنما مخرج الآية على المعتاد مما يتزوج به النساء. وقد علم أنهن لا يتزوجن إلا بما له قدر، وبال مما يعجز عنه كثير من الرجال. وكذلك قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا [النساء: 25] ، يريد: لا يستطيع ما العادة أن المرأة لا تتزوج إلا به، ولا يصح أن يقال أنه لا يعجز عن درهمين ونصف، وثلاثة إلا ربع ، ويعجز عن ثلاثة.
وقال في حده بربع دينار; لأنه عضو محرم يتناوله حق لله تعالى، لا يستباح إلا بمال، فوجب أن يكون مقدرا أصله، قطع اليد في السرقة، والزكاة والكفارات . وهذا أيضا ليس بالبين; لأن اليد إنما قطعت في ربع دينار، نكالا لما عصت، والنكاح يستباح بوجه جائز ، فكان يكون الصداق خمس مائة، كاليد إذا لم تعص. [ ص: 1940 ] أبو محمد عبد الوهاب
واختلف فيمن تزوج بدرهمين، فقال : إن لم يدخل ، فإن أتم لها ثلاثة دراهم، وإلا فرق بينهما، وإن دخل، أجبر على أن يتم ربع دينار، وإن طلق قبل البناء، كان لها نصف الدرهمين; لأنه صداق مختلف فيه . ابن القاسم
وقال غير : يفسخ قبل البناء ، ويثبت بعد، ولها صداق المثل . والأول أصوب، فلا يفرق بينهما قبل البناء إن أتم ربع دينار لقوة الخلاف فيه ، وإن دخل ثبت وكان لها ربع دينار; لأنها وهبت ما هو حق لله، وحق لها، فردت هبتها فيما هو حق لله تعالى، ومضت هبتها في حقها، وعلى ما ذكره سحنون، لا يكون لها شيء إن طلق قبل البناء. ابن القاسم
واختلف إذا لم يتم قبل البناء ربع دينار وفرق بينهما، فقال محمد : لها نصف الدرهمين.
وقال : لا شيء لها، وهو أصوب; لأن الحكم، مضى بأنه فاسد، وذلك العوض يرفع الخلاف ، ولأنه إذا حيل بينه وبين ما اشتراه، وبذل [ ص: 1941 ] له الثمن; لم يستحق العوض عنه ، ابن حبيب
واختلف إذا تزوجت على أن لا صداق، أو وهبت نفسها على وجه النكاح في فسخه أو فيما تستحق من الصداق.
فقال : يفسخ قبل البناء وبعده، ثم رجع فقال: يفسخ قبل ويثبت بعد ولها صداق المثل . ابن القاسم
وقال : أما نكاح الهبة، فإن عين في الهبة النكاح بغير صداق، فذلك غير جائز. وإن أصدقها ربع دينار فصاعدا جاز ، وهو لازم، عثر عليه قبل البناء أو بعده، وإن عين في الهبة غير النكاح، ولا هبة الصداق، ولكن وهبت نفسها، فذلك فاسد، يفسخ قبل ويثبت بعد، ولها صداق مثلها ، فجعله بالخيار إذا تزوج على أن لا صداق بعد، فإن أحب فرض ربع دينار، ولزمها النكاح ، أو فارق، ولا شيء عليه ولا يجبر على ربع دينار; لأنه دخل على أن لا شيء عليه. وقال ابن حبيب في كتاب أشهب محمد : لها ربع دينار إن دخل بها. وهو أحسن; لأن الزائد على ربع دينار من حقوقها فهبتها فيه جائزة. [ ص: 1942 ]