فصل الخلاف في وقوع الفطر بالنية من غير أكل
واختلف في وقوع الفطر بالنية من غير أكل ولا غيره مما يقع به الفطر إذا كانت النية بعد انعقاد الصوم وصحته، فجعله في المدونة مفطرا، وعليه القضاء، وفي كتاب أنه على صومه، قال: ولا يخرجه من الصوم إلا الإفطار بالفعل وليس بالنية. ابن حبيب
والأول أحسن; لأن الإمساك لا يكون قربة لله سبحانه إلا بالنية، فإذا أحدث هذا نية أنه لا يمسك بقية يومه لله تعالى لم يكن مطيعا ولا متقربا لله سبحانه، وكان بمنزلة من صلى من الفريضة ركعتين ثم نوى أنه يتمها، على [ ص: 744 ] أنه غير متقرب لله سبحانه بما بقي من عمل تلك الصلاة وهو ذاكر غير ناس لما دخل فيه، أو غسل بعض أعضائه بنية الطهارة ثم أتم ذلك على وجه التبرد، فإنه لا يجزئه شيء من ذلك.
وإن كان نوى أنه يفطر بالفعل بالأكل أو الشرب أو غيره، ثم بدا له وأتم على ما كان عليه أجزأه صومه، وليس كالأكل; لأن الأول نوى أن يكون في إمساكه غير متقرب لله سبحانه، وهذا نوى أن يفعل شيئا يفطر به، فلم يفعل، وبقي على نية القربة، فكان بمنزلة من كان على طهارة ثم بدا له أن ينقض ذلك بالحدث، أو بإصابة أهله، ثم لم يفعل فإنه يكون على طهارته.
وقال في المجموعة في رجل كان صائما في رمضان في السفر فأجهده العطش فقرب إليه سفرته ليفطر فأهوى بيده فقيل له: ليس في الرحل ماء، قال: أحب إلي أن يصوم يوما مكانه، فإن كان عليه قضاؤه، وإلا فقد احتاط، وكان صوم يوم يسيرا. مالك
قال الشيخ -رضي الله عنه-: يستحب له على هذا أن يستأنف الطهارة.
وأن لا شيء عليه في هذا كله أحسن، ولو كان على هذين أن يستأنفا الصوم والطهارة لكان على من أراد أن يصيب أهله ثم لم يفعل أن يغتسل.