فصل [في من أخد الثوبين على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر]
وإن أخذهما على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر، كان الجواب على الاختلاف المتقدم، فعلى قول يضمن واحدا، وعلى قول ابن القاسم وما ذكره أشهب يضمنهما جميعا، والقول الآخر: أنه إن كان ذلك برغبة من البائع ضمن له واحدا، وإن كان برغبة من المشتري [ ص: 4564 ] ضمنهما، وهذا مع عدم البينة. ابن حبيب
ويختلف إذا شهدت البينة بضياعهما، فقول أنه يضمن واحدا، والبينة وعدمها في ذلك سواء، وأصل ابن القاسم أنه يضمنهما كالرهان والعواري، ويجري فيها قول ثالث أن لا ضمان عليه فيهما. أشهب
وأرى أن يكون ضامنا لهما مع عدم البينة، وأن لا شيء عليه إذا شهدت البينة بضياعهما; لأن المشتري قبضهما على أنهما على ملك البائع حتى يختار واحدا، والتزم أن يختار واحدا، فإذا ضاعا قبل أن يختار كانت المصيبة من البائع; لأنهما على ملكه ولا ينتقلان عن ملكه إلى ملك المشتري إلا أن يختار.
واختلف إذا ضاع أحدهما فقال محمد: الهالك منهما والسالم بينهما، وعليه نصف ثمنها، وفي المستخرجة يلزمه نصف ثمن الثوب التالف، وله أن يرد الباقي.
وقال محمد أيضا: إذا كانا عبدين أخذهما ليختار أحدهما، وذلك واجب عليه فهلك أحدهما كان من البائع، ويجب رد الباقي على المشتري. وفي كتاب أن له أن يرد الباقي، وقاله ابن سحنون: أشهب وابن عبد الحكم.
فوجه الأول أنه لما كان أحدهما على وجه الشراء، والآخر على وجه الأمانة، ولم يعين ما كان على وجه الشراء مما هو على وجه الأمانة، جعل نصفا ونصفا. ووجه القول أن له أن يرد الباقي; لأن الشركة عيب، ولم يدخل المشتري على شركة، فكان له أن يرد بعيب الشركة. ووجه القول أن لا شيء عليه في التالف; لأن كل مبيع على خيار، على ملك بائعه حتى يختاره المشتري، [ ص: 4565 ] وإنما فائدة الإيجاب أنه لا بد للمشتري أن يختار أحدهما، وليس القصد إيجاب الشراء في نصف كل واحد، ثم يجمع النصفين في ثوب واحد أو عبد، ولزمه الباقي لما كان الاختيار في التالف لا يصح، وهو بمنزلة من قال لعبديه: أحدكما حر، فمات أحدهما قبل أن يختار، فقيل: الباقي حر; لأنا لا نجد موضعا للعتق والبيع إلا في الباقي.
وقد اختلف قول فيمن قال لعبديه: أحدكما حر، فقتلا، فقال: على قاتل الأول قيمة عبد، وعلى الثاني دية حر في الخطأ، ويقتص منه في العمد. وإن ماتا ورث الأول سيده بالرق، والثاني ورثته الأحرار، ثم رجع فقال: إن ماتا ورثا بالرق، وإن قتلا فقيمة عبدين قال: ولا يعتق واحد منهما قبل اختياره، فعلى هذا يكون له أن يرد الباقي وهو أقيسهما; لأن المشتري دخل على أنهما على ملك البائع حتى يختار، فهو يقول: لو كانا قائمين لأمكن أن يحسن عندي الهالك، أو هو الذي كنت أرغب فيه، وقد هلك وهو على ملك المشتري، فيحلف أنه هلك قبل أن يختاره ويبرأ. سحنون
واختلف إذا قال المشتري: كنت اخترت هذا الباقي قبل هلاك صاحبه هل يقبل قوله؟