فصل [في استبراء الأمة التي لا تحيض]
وإذا كانت الأمة ممن لا تحيض، فإنها لا تخلو من خمسة أوجه: إما أن تكون في سن من لا تطيق الرجال، أو ممن تطيقهم ولم تقارب المحيض، أو قاربت المحيض، أو جاوزت ذلك ولم تبلغ اليأس، أو قد يئست وقعدت عن المحيض، فإن كانت صغيرة في سن من لا تطيق الوطء وهي ثيب; لأنه [ ص: 4499 ] عنف عليها، مثل بنت ست سنين وسبع، لم يكن فيها استبراء، ولا مواضعة على بائعها، وإن كانت فوق ذلك مثل بنت تسع سنين أو عشر، كان فيها عن قولان: وجوب الاستبراء، وهي رواية مالك عنه. ونفيه، وهي رواية ابن القاسم ابن عبد الحكم عنه، فوجه الأول أن من كانت في مثل ذلك السن قد يخشى منها الحمل وإن لم يكن غالبا.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة. وقال محمد بن عبد الحكم: عرفني رجل أنه رأى باليمن جواري كثيرة يحملن لتسع سنين، فكان الاحتياط للأنساب لهذا الوجه أولى. وقياسا على الحرة المعتدة في قول الله -عز وجل-: واللائي لم يحضن [الطلاق: 4] ووجه القول الثاني أنه وإن كان يصح وجود الحمل فيمن كانت في ذلك السن، فهو نادر والنادر لا حكم له، والمراعى في الأحكام ما يكون غالبا إلا في مثل تلك البلدان التي يكون ذلك فيها كثيرا مثل اليمن، وعرفت أنه في بادية مكة مثل ذلك كثيرا. وإن قاربت المحيض مثل ابنة ثلاث عشرة سنة، أو أربعة عشر، كان الاستبراء فيها واجبا، وكذلك إذا جاوزت سن المحيض ولم تبلغ اليأس، مثل ابنة ثلاثين أو أربعين أو خمسين، فإن الاستبراء فيها واجب.
واختلف عن مالك فروى إذا يئست وقعدت عن المحيض، عنه: أن فيها الاستبراء. وروى ابن القاسم ابن عبد الحكم أنه: لا استبراء فيها، فأما [ ص: 4500 ] الاستبراء فحماية لئلا يتذرع الناس بذلك إلى إصابة من يخشى منها الحمل ولم تدخل في سن اليأس، وقياسا على المعتدة من طلاق في قوله: واللائي يئسن من المحيض [الطلاق: 4] فأوجب الله -عز وجل- العدة على اليائسة حماية؛ لئلا يتذرع إلى إصابة من يخشى منها الحمل، وأما سقوطه فإن منع الإصابة في الاستبراء خوفا من اختلاط الأنساب، فإذا أمن ذلك وقطع بأنها بريئة وأنه لا حمل بها، لم يكن فيها استبراء ولم يقسها على المعتدة، لما كان الاستبراء أخفض رتبة، وإن في العدة ما هو تعبد وزيادات على الاستبراء.