باب في البيع على الوزن والكيل والجزاف
البيع في ذلك على ما اعتاده المتبايعان أو أهل ذلك الموضع من كيل أو وزن أو عدد أو قيس أو جزاف، فإن خرج من ذلك إلى ما يعرف قدره من المعتاد أو يقاربه جاز وإن خرج في بيعهما إلى ما لا يعرف قدره منه لم يجز، فأما تبر الذهب ونقار الفضة فيباعان وزنا وجزافا إذا كانت عادة في بيعه جزافا فإن لم يكن لم يجز.
وقال وأما الدنانير فهي على قسمين: فأما القائمة والفرادى فيباع عددا ووزنا لأن وزنها معلوم، القائم تزيد حبة والفرادى تنقص حبة، فإذا جمعا في الوزن علم ما تضمن ذلك الوزن من العدد ولا يباع جزافا، وكذلك أبو محمد عبد الوهاب: وأما المجموعة فتباع وزنا ولا تباع عددا؛ لأن فيها النقص والزيادة، ومنع في كتاب الصرف من بيع الدنانير جزافا جملة هكذا، ولم يبين هل هي قائمة أو مجموعة. كل ما يباع عددا فلا يباع جزافا.
وذكر عن أبو الحسن بن القصار أنه قال: لا تباع الدنانير والدراهم جزافا على طريق الكراهية، يريد في الدراهم إذا كانت مجموعة فتباع وزنا. مالك
ويختلف في بيعها جزافا، وإن كانت تباع عددا مثل الدراهم الجائزة بين الناس في مكة أو المدينة فلا تباع وزنا ولا جزافا.
وأما إلا أن يعلموا قدر الوزن من الكيل، وإن كانت العادة الوزن لم يجز كيلا إلا أن [ ص: 4477 ] يعلموا قدره من الوزن. الزيت والسمن والعسل فإن كان قوم عادتهم فيه الكيل لم يجز وزنا
والعادة عندنا في الزيت الكيل، وبمصر الوزن، ووزن القفيز ثلاثة أرطال وثلث، فلا يباع عندنا وزنا إلا لمن عرف ذلك، ولا بمصر كيلا إلا لمن علم قدره من الوزن، وكذلك القمح والدقيق كيلا ولا يباع وزنا، ويجوز ذلك بمصر؛ لأن تلك العادة عندهم في الدقيق فيبيعونه وزنا، ويسلمون القمح إلى الطحان بوزن.
وأما إلا أن يكون قيس ذلك المتاع عندهم معلوما، وقد جرت العادة في أشياء أنها تباع على معنى الجزاف من غير قيس ولا وزن، فلا يجوز أن يباع على غير ذلك. الثياب فتباع عددا على القيس، ولا يجوز بيعها جزافا ولا بغير قيس
فمن ذلك الديار تباع عندنا بغير قيس، وإنما هي على المشاهدة، ولو قيل للبائع أو المشتري كم هي من ذراع ما عرفها، فلو أراد أن يتبايعاها على القيس ما جاز؛ لأنه غرر إن كثرت الأذرع كان فيها غبن على المشتري، ولو علم أنها تبلغ تلك الأذرع لم يشترها عليه، وإن قلت الأذرع كان فيها غبن على البائع، لو علم ما باع به، وعلى هذا لو كانت دار غائبة لم يشترها مذارعة إلا أن يعلم أن تلك الأذرع كيف تكون من الديار التي عليها بالمشاهدة، ومحمل قول في إجازته بيع الدار مذارعة أن ذلك لعادة عندهم، وكذلك الأرضون العادة عندنا أنها تباع بغير قيس إنما يمشي فيها، ويشتري ما يتصورها من قدرها من الكبر وغيره، فيجوز ذلك لمن تلك عادته. مالك
وقال في الحطب: يسلم فيه قناطير؛ لأن تلك العادة عندهم بمصر أنه يباع وزنا. [ ص: 4478 ] ابن القاسم
ولا يجوز ذلك عندنا؛ لأن العادة بيعه جزافا ولا يعلم كم وزنه ولا قدر ذلك الحمل من الوزن.
وأجاز في كتاب مالك محمد أن على أن الزقاق داخلة في الوزن والبيع قال: لأن الناس قد عرفوا وزنها، وقاله في القلال: لو علم أنها في التعارف مثل الزقاق ما رأيت بها بأسا. يباع الزيت والسمن في الزقاق
قال الشيخ - رضي الله عنه: أمرها واحد والزقاق أشد منها اختلافا، فزق الفحل أكثف وأوزن والخصي دونه، وهو أكثف من زق الأنثى، وإن ذهب بالزقاق ليفرغها كان القول قوله في ضياعه وإن كانت العادة أنه يفرغه قبل أن يذهب به فأذن له في الذهاب به ليفرغه لم يصدق في ضياعه بأنها عارية.
وقال إن أتى بالظروف واختلفا، وقال البائع ليست بظروف فإن تصادقا على السمن ولم يغب وزن السمن، وإن فات كان القول قول المشتري؛ لأنه أبين وإن فرغ المشتري السمن، وترك الظروف عند البائع حتى يوازنه فيها كان القول قول البائع أنها الظروف التي كان فيها السمن. ابن القاسم:
وقال في كتاب أشهب محمد: القول قول المشتري، والمدعي ها هنا البائع في وزن السمن أنه كثير، فيحلف المشتري أنه ليس في وزن السمن الذي قبض إلا ما ذكر ويبرأ.
والأول أبين لأن تركها عند البائع أمانة لتوزن وإذا بقيت الضروف [ ص: 4479 ] عند المشتري كان القول قوله مع يمينه وإن نكل حلف البائع على ما يقول من وزن سمنه وصفة ضروفه ويأخذ قيمة ما حلف عليه وإن كان السمن قائما وزن فإن وجد على ما قال البائع كانت أجرة الوزن على المشتري وإن وجد على ما قال المشتري كانت الأجرة على البائع.