باب فيمن ابتدأ الصوم أو الإطعام والزوجة في عصمته، وأتمها بعد الطلاق في العدة أو بعد انقضائها
الكفارة قبل العودة غير جائزة، وبعد العودة وقبل الوطء جائزة.
واختلف هل هي واجبة أو لا، وهل من شرطها أن يؤتى بها والزوجة في العصمة؟ فإن وطئ وجبت قولا واحدا، وصح أن يؤتى بها والزوجة في العصمة، وبعد أن تبتدئ في العدة وبعد انقضائها، فتجب وإن لم يطأها على أحد قولي إن العودة: العزم على الإمساك أو العزم على الوطء، وعلى هذا يصح ما ذكره مالك: محمد عنه أنها لا تسقط، وإن طلق أو ماتت قبل أن يطأ؛ فيجب أن يكفر بعد الطلاق وإن لم يرتجع، وأما على قوله: إن العودة الوطء: فلا تجب إذا عزم على الوطء ثم بدا له ألا يفعل، وإن طلق قبل الوطء أو ماتت- لم يكن عليه شيء، وعلى هذا القول يكون من شرطها أن يؤتى بها والزوجة في العصمة، وإن لم تجزئه، لسقوط موضع العودة. [ ص: 2357 ] كفر بعد أن بانت منه
واختلف على هذا القول في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا ابتدأ الصوم والإطعام قبل الطلاق، وأتم ذلك بعد الطلاق، وبعد انقضاء العدة.
والثاني: إذا لم يتم بعد انقضاء العدة، ثم تزوجها، هل يتم على ما كان من الإطعام.
والثالث: هل يبتدئ الكفارة -بالصوم أو الإطعام- بعد الطلاق وهي في العدة من طلاق رجعي؟ فقال ابن نافع في المدونة: إذا -تجزئه؛ لأنه ابتدأ وهي زوجة، وهو ممن له العودة. وقال ابتدأ الكفارة وهي زوجة فأتمها بعد الطلاق وبعد انقضاء العدة ليس عليه أن يتم الكفارة. ولم يقل: لا تجزئه إن فعل، وظاهر قوله أنها تجزئه إن فعل، ولا تجب عليه مثل قول ابن القاسم: ابن نافع.
وقال محمد: لا تجزئه إذا أتم في العدة من طلاق بائن أو بعد انقضائها. فإن تزوجها بعد ذلك، وكانت كفارته بالصيام- استأنفه؛ لأن الصيام لا يكون إلا متتابعا، وإن كانت بالإطعام أجزأه أن يتم على ما كان [ ص: 2358 ] أطعم عند مالك وابن القاسم ولم تجزئه عند وابن وهب، وعليه أن يستأنف الكفارة، والأول أبين. أشهب،
قال محمد: ولو - أجزأت عنه إن ارتجعها بعد ذلك، أو تركها حتى بانت. كان الطلاق رجعيا فأتم الكفارة في العدة
واختلف هل يبتدئ الكفارة وهي في عدة من طلاق رجعي؟ فقال في كتاب مالك محمد: يرتجع ثم يكفر. قال فإن كفر قبل أن يرتجع وقبل أن تبين منه فذلك جائز. أشهب:
وقال أحمد بن المعذل: لا تجزئه الكفارة قبل أن يرتجع؛ لأن موضع الكفارة إنما هو أن يعود إلى الإمساك والإصابة، وهذه في العدة دانية تدنو من أجلها الذي يخرجها من يده، ولا يكون عائدا إلا أن يرتجعها، قال: فإن ظاهر منها لزمه الظهار لقول الله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم [المجادلة: 3] فالمعتدة من نسائه، وفرق بين عقد الظهار والكفارة؛ لأنه كفر قبل أن يجمع على الإمساك وقبل أن يجمع على الوطء، ولو فإن تزوجها بعد ذلك لم يكن على ظهار- لم تجزئه الكفارة إلا بعد عودة: لأن تلك لا تعد عودة، وفي عقد [ ص: 2359 ] الظهار في العدة نظر؛ لأنها قبل أن ترتجع عليه كظهر أمه على قول لم يطلق المظاهر وأجمع على الطلاق، وقال: أكفر الآن ثم أطلقها، أن الرجعة تفتقر إلى نية، وهذا هو الظاهر من قول مالك أبي الفرج؛ لأنه قال فيمن وقع عليه الطلاق دون الظهار، ولم يفرق بين أن يكون مدخولا بها أم لا. قال لزوجته: أنت طالق، وأنت علي كظهر أمي:
وقال محمد فيمن قال: يبتدئ الكفارة من الثاني وتجزئه. قال: وقيل: بل يتم الأولى ويبتدئ، وقال قال: أنت علي كظهر أمي، ثم أخذ في الكفارة، فلم يتمها حتى قال: أنت علي كظهر أمي، محمد: إذا مضى يومان أو ثلاثة أجزأه لهما: لأنه قال: ما تفاوت منه، فإن بقي شيء يسير أتمه وابتدأ.
وقال في العتبية: يلغي ما صام، ويبتدئ صوم كفارة واحدة، وسواء صام من الأولى يسيرا أو كثيرا. أصبغ
والقول إنه يبتدئ، والقول إنه يتم ويبتدئ يرجع إلى شيء واحد، وهو أنه بالخيار بين أن يبتدئ أو يتم ثم يبتدئ، وليس يريد: أنه يجب عليه أن يتم ثم يبتدئ، وقول هو الأصل أن يبتدئ حيثما كان من صومه، وإن أتم وابتدأ فقد أحسن، وإليه يرجع القولان، وليس الخلاف إلا في موضع واحد، وهو قول أصبغ محمد: أنه إذا مضى أيسره أتم وأجزأه. [ ص: 2360 ]