فرع:
وأجابوا عن حديث: بأنه خبر آحاد، لا يفيد إلا الظن، ولا يصح أن يكون ناسخا للآية الكريمة التي تفيد القطع. "لا وصية لوارث"
وتأولوه على أن معناه لا وصية لوارث في الثلثين، بمعنى أنه يجوز له أن يوصي له في الثلث، ولا يوصي له في الثلثين الباقيين الزائدين على الثلث.
[ ص: 512 ] ورد هذا بما يلي:
أولا: الحديث قال غير واحد: إنه متواتر لفظا، وقال بعضهم: إنه متواتر معنى، وعلى تقدير عدم تواتره، فلا مانع من نسخ الآية بخبر الآحاد; لأن كلا منهما وحي من الله، كما قال تعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
ولأن المنسوخ هو المعنى والمدلول، وهو ظني أيضا، فهو من باب نسخ الظني بالظني; لأن دلالة الآية على معناها ظنية، وإن كانت ألفاظها قطعية، لكن المنسوخ معناها ومدلولها، وهو ظني; لقاعدة: أن دلالة العام على أفراده ظنية.
وأما حمل الحديث على أن معناه: لا وصية لوارث في الثلثين الزائدين، فهو ضعيف.
وذلك أن قوله: صلى الله عليه وسلم: نص في أن المقصود: لا وصية لوارث بشيء زائد على حقه; لئلا يأخذ بالوصية أكثر من حقه، فيؤدي هذا إلى تغيير نصيبه المقدر له شرعا، كما يؤدي إلى الإضرار بالورثة. "إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث"
الثاني: الحديث ظاهر وصريح في أن هي الوصية في الثلث; لأنه المعنى المتبادر للفهم عند سماع هذا الكلام، ولأن الوصية في الثلثين، أي: فيما زاد على الثلث، ممنوعة للوارث وغيره عند بعض العلماء، من قوله صلى الله عليه وسلم: الوصية الممنوعة للوارث ، فلا فائدة من النص [ ص: 513 ] على منعها للوارث وحده، مع ما في ذلك من إيهام جوازها في غير الوارث بدلالة المفهوم، ولأن الوصية عند سماعها تنصرف للوصية بشيء غير الميراث ولو يسيرا، فحملها على الوصية له بأكثر من الثلث لتكون وصية له في الثلثين تحريف للنص لا دليل عليه. "الثلث والثلث كثير"
والاستدلال له بزيادة: بدعوى أن حق الورثة في الثلثين خاصة، فلما جعل الخيار لهم دل على أن الوصية الممنوعة هي الوصية له في الثلثين هو استدلال غير صحيح. "إلا أن يشاء الورثة"
أولا: لأنها غير صحيحة.
ثانيا: لا يسلم أنه لا حق للورثة في غير الثلثين، بل من حقهم أن لا يفضل عليهم بشيء.
ثالثا: الوصية في الحديث نكرة في سياق النفي، وهي نص في العموم لبنائها على الفتح، فتعم الوصية بالثلث وبأقل وبأكثر، وكل ذلك لا يجوز للوارث إلا برضا الورثة.