[ ص: 140 ] تنبيهات
الأول : قال في الأم : { الشافعي وأحل الله البيع } احتمالان عاما ومجملا بينته السنة ، وترددا بينهما ، ومن ، وعاما في كل بيع إلا ما نهت عنه السنة . العام الذي أريد به الخاص
وفيه سؤالان :
أحدهما : أنه قد يشكل الفرق بين الاحتمال الأخير والأول .
قال ابن التلمساني : ويمكن أن يقال في الفرق : إن الأول على تقدير أن للشارع عرفا في الأسماء ، وإذا كان للشارع عرف في البيع والصلاة والصوم فمتى ورد الاسم منه صرف إلى عرفه ، فقوله : { وأحل الله البيع } يتناول ذلك المسمى الشرعي .
ويندرج فيه كل نوع من أنواعه الشرعية ، ولا تخصيص فيه ولا استثناء ، وأما الأخير فعلى قولنا : إن الشارع لم يغير الأسماء ، وإنما استعملها في موضوعها اللغوي ، فيكون { وأحل الله البيع } أي كل ما يسمى بيعا لغة إلا ما نهي عنه على لسان نبيه عليه السلام ، أو كان في معناه فهو عام بطريق التخصيص إليه ، ثم يترجح احتمال الاستغراق في الآية ، فإنه لا يتوقف على توقفه ، وأن الإجماع على خلاف الأصل . الثاني : أن اختلف قوله في آية البيع على أربعة أقوال ، واختلف في قوله في آية الزكاة وهي قوله : { الشافعي وآتوا الزكاة } إلى قولين :
أحدهما : أنها عامة خصصتها السنة . والثاني مجملة بينتها السنة ، وهما من جهة اللفظ والتعريف بالألف واللام واحد ، لأن كل واحد منهما مفرد مشتق معرف بالألف واللام ، فإن عم من حيث اللفظ فليعم في الآيتين ، وإن عم من حيث المعنى فليعم فيهما ، وإن لم يعم من حيث [ ص: 141 ] اللفظ ولا من حيث المعنى . فليكن ذلك في الآيتين ، مع أن الصحيح في آية البيع العموم ، وفي آية الزكاة الإجمال .
والسر في ذلك أن حل البيع على وفق الأصل من حيث إن الأصل في النافع الحل ، وفي المضار الحرمة بأدلة شرعية ، فمهما حرم البيع فهو على خلاف الأصل ، وأما الزكاة فهي على خلاف الأصل لتضمنها أخذ مال الغير بغير إرادته ، فوجوبها على خلاف الأصل .
ثم الأخبار الواردة في البابين ناظرة إلى هذا المعنى ، فلذلك اعتنى عليه السلام ببيان المبيعات الفاسدة ، كالنهي عن بيع حبل الحبلة والمضامين والملامسة والمنابذة ولم يعتن ببيان المبيعات الصحيحة ، وأما في الزكاة فإنه عليه السلام اعتنى ببيان ما يجب فيه الزكاة ، ولم يعتن ببيان ما لا يجب فيه الزكاة ، فمن ادعى الزكاة في شيء مختلف فيه كالرقيق والخيل فقد ادعى حكما على خلاف الدليل ، وأما تردد في آية البيع : هل المخصص أو المبين لها الكتاب والسنة دون الزكاة ؟ فلأنه عقب حل البيع بقوله تعالى : { الشافعي وحرم الربا } والربا من أنواع البيع اللغوية ، ولم يعقب الزكاة بشيء .
الثالث : عن هذا الخلاف نشأ الخلاف في معنى الحمد ، فقال عامة [ ص: 142 ] الفقهاء : جميع المحامد لله لأن اللام للاستغراق ; وقال المعتزلة : ما يعرفه كل أحد من الحمد بحسبه فهو لله ، لأن اللام لمطلق الجنس ; ولهذا قال : ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من الحمد ما هو ، وما قيل من أن اللام في الحمد عند الزمخشري المعتزلة للعهد ، فذلك كلام بلا أساس ; لأنه لم يصح عنهم هذا النقل بل قالوا : إن اللام فيه لمطلق الجنس ، وبهذا ظهر تقرير قول أن الاستغراق الذي قاله كثير من الناس وهم منهم . الزمخشري
الرابع حكى القرافي عن الشيخ عز الدين أنه استشكل على هذه القاعدة بقول القائل " الطلاق يلزمني " فإنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة بناء على أنه التزام أصل الطلاق ، وعلى قياس القاعدة يلزمه الثلاث ، وأجاب بأن هذا نقل عن مسماه اللغوي إلى العرف ، فنقل العرف الألف واللام عن العموم إلى حقيقة الجنس في الطلاق خاصة لدليل ، وبقي على عمومه في غير هذا الباب ، وأجاب غيره : بأن الطلاق حقيقة واحدة لا أفراد له ، ولكن له مراتب مشتركة في قطع عصمة النكاح ، فحمل على أدنى المراتب .
الخامس : قال في تفسير سورة الحجرات : لام الجنس تخصص جنسا من سائر الأجناس ك " لام " العهد تخصص واحدا من الآحاد ، ولا يكون تخصيص ما لم يكن عموم أو تقديره ، فتقول : إن زارك الصديق ، أي من صفته الصداقة خاصة دون العدو ، ومن ليس بصديق ولا عدو ، فإن نكرت زال هذا التخصيص ، وانقلب إلى معنى الشياع في كل [ ص: 143 ] صديق . الزمخشري
قال : فقولنا : رجل فاسق هو بعض من شياعه ، وليس فيه إفراز الفاسق من العدل ، ولا قصد إلى ذلك ، وإنما كان يقصد إليه لو دخلت اللام ، فإن التي تميز الجنس مما سواه ، والصفة إنما تقتضي الشياع ، والكلام في التعريف والتنكير أدق من الدقيق .
وأما المثنى فقال القرافي هو كالجمع في العموم ، ثم قال : لا يفهم العموم من إضافة التثنية في شيء من الصور سواء كان الفرد يعم أم لا فإذا قال : عبداي حران لم يتناول غيرهما ، وكذلك مالاي ، فالفهم عن العموم في التثنية بخلاف الجمع والفرد . انتهى . والإضافة والتعريف سواء ، وكلامه الأول لا يجتمع مع الثاني وسيأتي فيه مزيد في الإضافة .