مسألة إطلاق كل واحد من المترادفين على الآخر
المترادفان يصح إطلاق كل واحد منهما مكان الآخر ، لأنه لازم لمعنى المترادفين ، ولا خلاف في هذا وإنما الخلاف في حال التركيب على ما يدل عليه كلام في " المنتهى " ابن الحاجب أي : إذا صح النطق بأحدهما في تركيب يلزم أن يصح النطق فيه بالآخر ، اختلفوا فيه ، وهو معنى قول " المحصول " ، يجب صحة إقامته مقامه وفيه ثلاث مذاهب : أصحها : عند والبيضاوي اللزوم ، لأن المقصود من التركيب إنما هو المعنى دون اللفظ ، فإذا صح النطق مع أحد اللفظين وجب بالضرورة أن يصح مع اللفظ الآخر . ابن الحاجب
قال الإمام الرازي : إنه الأظهر في أول النظر ، وعلله بعضهم بأن التركيب من عوارض المعاني دون الألفاظ ، فإذا صح تألف المعنى مع المعنى فلا نظر إلى التعبير عنه بأي لفظة كانت ، ومقتضى ذلك : أنه إذا لم يصح التأليف لا يجوز ، كما في صلى ودعا ، فإن أئمة اللغة قالوا : إنهما مترادفان [ ص: 362 ] مع أنه لم يقم أحد المترادفين مقام الآخر ، فإنه يجوز أن يقال : صلى عليه فتركب " صلى " مع لفظة " على " في طلب الخير للمدعو له ، ولو ركبتها مع " دعا " فقلت : دعا عليه لم يصح ، وانعكس المعنى للشر . قاله القرافي وغيره .
وفيه نظر ، لأن كلا من صلى ودعا مشترك بين معان ، والصلاة من الله ليست بالدعاء بل هي المغفرة ، فمعنى صلى الله على زيد غفر له ، غير أن التعدية مختلفة ، فأتى في الصلاة بعلى مبالغة في استعلاء الفعل على المفعول . والثاني : أنه غير لازم واختاره في " الحاصل " و " التحصيل " ، وقال في " المحصول " : إنه الحق ، لأن صحة الضم قد تكون من عوارض الألفاظ أيضا ، لأنه يصح قولك : خرجت من الدار ، مع أنك لو أبدلت لفظة " من " وحدها بمرادفها بالفارسية لم يجز .
قال : وإذا قلنا ذلك في لغتين لم يمتنع وقوع مثله في اللغة الواحدة .
والثالث : التفصيل بين أن يكون من لغة واحدة فيصح وإلا فلا ، واختاره البيضاوي والهندي ، وقال : هذا القول وإن لم يلف صريحا لكن يلفى ضمنا في كلامهم .
وقال النقشواني : الصحيح أن اللغة الواحدة فيها تفصيل ، فإنه إن لم يكن المقصود إلا مجرد الفهم قام أحد المترادفين مقام الآخر ، وإن كان المقصود قافية القصيدة وروي الشعر وأنواع الجناس فلا يقوم أحدهما مقام الآخر ، فإنه قد يكون ذلك موجودا في البر دون القمح .
واعلم أنه في " المحصول " نصب الخلاف في وجوب إقامة كل منهما [ ص: 363 ] مقام الآخر .
قال الأصفهاني : ومراده بالوجوب اللزوم ، بمعنى أن من لوازم صحة انضمام المعاني صحة انضمام الألفاظ الدالة عليها ، واختار أن جواز تبديل أحدهما بالآخر غير لازم ، وعلى هذا فمن نقل عن الإمام اختيار المنع مطلقا ليس بجيد ، وكلام في " المنتهى " يقتضي أن الخلاف في الجواز حيث لم يتغير المعنى ، فإن تغير به فلا يجوز قطعا ، ولا شك فيه ، وكلامه في " المختصر " صريح في أن الخلاف إنما هو في تبديل بعض الألفاظ المركبة دون البعض ، ولهذا مثل ب " خداي أكبر " . ابن الحاجب
قال : وأجيب ، بالفرق باختلاط اللغتين ، فأرشد إلى أن علة المنع قاصرة على ترجمة بعض المركب لا كله أما تبديل ألفاظ المتكلم كلها ألفاظا من غير لغته فلا شك في جوازه ، وقد نقل فيه الإجماع في باب الأخبار فليتفطن له . ابن الحاجب
فإن قلت : كيف يتجه جواز تبديل الجميع بالإجماع والمنع على قول إذا بدل البعض ؟ .
قلت : لأن تبديل البعض جمع بين اللغتين في كلام واحد ، فربما خلط على السامع ، فيخل بالفهم بخلاف تبديل الجميع .
وأوضح بعض المتأخرين المسألة فقال : . الحالة الأولى : الإفراد وقد نصوا على أنه لا خلاف في قيام أحد المترادفين منهما مقام الآخر ؟ [ ص: 364 ] قلت : منهم أحد المترادفين إما أن يستعمل مفردا أو مركبا في " المنتهى " . ا هـ . ابن الحاجب
ولا شك أن المفرد ذو الترادف له أحوال :
الأول : أن يقصد المتكلم به عند تعداد المفردات حيث لا إعراب ولا بناء كقوله : أسد ، عين ، حنطة ، فهو مخير في النطق بأي اللفظين شاء بلا إشكال من ليث أو مقلة أو بر .
الثاني : أن يتكلم زيد بالمفرد ، فيريد أن يحكيه فيقول : قال زيد : أسد ، ويكون إنما قال : ليث . الثالث : أن يأمرك زيد بأن تقول : ليث ، فتقول : أسد فهاتان الصورتان من قسم المفرد ، وللنزاع فيها مجال عند تعين حكاية اللفظ لا . سيما إن منعنا النقل بالمعنى ، ويحتمل الجواز بمرادفه ، لأن ذلك لعله خاص بحكاية كلامه صلى الله عليه وسلم ، وكذلك في صورة الأمر يحتمل الامتثال بالمرادف وإلا قلت : قد صرح الفقهاء فيما إذا أنه لا يكون نكولا وفي قال القاضي له : قل : بالله ، فقال : بالرحمن ، إنه يكون اختيارا ، وحينئذ فإطلاق الإجماع على المفرد ممنوع . المكره لو قال له : قل أنت طالق فقال : بائن
المركب
وأما المركب فله أحوال :
أحدها : أن يقصد المتكلم النطق فينطق كيف يشاء ، وليس ، ذلك موضوع المسألة .
الثاني : أن يكون حكاية ويبدل بألفاظ المتكلم كلها ألفاظا من غير لغته فهو جائز بالإجماع كما قاله في باب الأخبار . [ ص: 365 ] الثالث : أن يبدل كلها بألفاظ مترادفة من لغتها مثل أن يقال : حضر الأسد . فيقال : قال زيد : جاء الليث ، والظاهر أن هذا ليس محل النزاع ، لأن صاحب " المحصول " ممن اختار أنه لا يقام أحد المترادفين مقام الآخر مع جزمه بجواز الرواية بالمعنى بغير المترادف فضلا عن المترادف . ابن الحاجب
الرابع : أن يكون في امتثال الأمر ، كأن يقول زيد : قل : جاء الأسد ، فيقول : حضر الليث ، أو يعبر عنه بالعجمية ، فيحتمل المنع ، لاحتمال أن المقصود اللفظ ، ويحتمل الجواز إلا حيث تعبدنا باللفظ ، كتكبيرة الإحرام وغيرها .
الخامس : أن يبدل بعض ألفاظ المركب دون بعض كأن يقول حضر الأسد مكان حضر الليث وكذلك " خداي أكبر " في غير الصلاة ، فهذا موضع النزاع . هذا كلام الأصوليين .
وأما الفقهاء فالصحيح عندهم جواز إقامة كل من المترادفين مختلفي اللغة مقام الآخر فيما يشترط فيه الألفاظ كعقود البياعات وغيرها ، وأما ما وقع النظر في أن التعبد هل وقع بلفظة ؟ فليس من هذا الباب ، لأن المانع إذ ذاك من إقامة أحد المترادفين مختلفي اللغة مقام الآخر ليس لأنه لا يصح ذلك ، بل لما وقع من التعبد بجوهر لفظه كالخلاف في أن وجعل لفظ النكاح هل ينعقد بالعجمية وأنظاره ؟ إمام الحرمين في " النهاية " في باب النكاح للألفاظ ست مراتب :
الأول : قراءة القرآن فلفظه متعين .
الثاني : ما تعبدنا بلفظه وإن كان الغرض الأكبر معناه كالتكبير والتشهد . [ ص: 366 ]
الثالث : لفظ النكاح ، ترددوا هل المرعي فيه التعبد وإنما تعينت ألفاظه لحاجة الإشهاد ؟ ويلزم على الثاني أن أهل قطر لو تواطئوا على لفظ في إرادة النكاح ينعقد به .
الرابع : الطلاق .
الخامس : العقود سوى النكاح .
السادس : ما لا يحتاج إلى قبول كالإبراء والفسخ .