[ ص: 281 ] القسم الثاني باعتبار التركيب والإفراد
ويطلق المفرد باصطلاح النحويين على أربعة معان : أحدها : مقابل المثنى والمجموع ، وهو اللفظ بكلمة واحدة . الثاني : مقابل المضاف في باب النداء ولهذا يقولون : المنادي مفرد ومضاف . والثالث : مقابل الجملة في باب المبتدأ وهو المراد بقولهم : الخبر قد يكون مفردا وقد يكون جملة . الرابع : مقابل المركب . أما المفرد باصطلاح المنطقيين فهو ما دل على معنى ولا جزء من أجزائه يدل بالذات على جزء من أجزاء ذلك المعنى كإنسان ، وإن شئت فقل : هو ما لا يراد بالجزء منه دلالة أصلا على معنى حين هو جزؤه كأحمد .
[ تعريف المركب ]
وأما المركب فما دل جزؤه على جزء المعنى المستفاد منه حين هو جزؤه [ ص: 282 ] سواء كان تركيب إسناد كقام زيد ، وزيد قائم ، أم تركيب مزج كخمسة عشر ، أو إضافة كغلام زيد ، وأما عبد الله فإن كان دالا على الذات فهو مفرد ، وإن كان دالا على الصفات فهو مركب . والمراد بالجزء ما صار به اللفظ مركبا كحروف زيد ، فلا يرد الزاي من " زيد قائم " ، فإنها لا تدل على جزء المعنى ، وكذلك أوردوا على أنفسهم كون الماضي يجب أن يكون مركبا ، لأن مادته تدل على المصدر وزنته على خصوص الزمن ، فأجابوا بأن المعنى بقولنا الجزء ليس مطلق الجزء ، بل الأجزاء المترتبة في السمع ، وقالوا : ونحو بعلبك مركب عند النحويين ، لأنه كلمتان ومفرد عند الأصوليين ، لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه ، و " أقوم " و " نقوم " و " يقوم " مركب عند الأصوليين ، لأن جزأه يدل على جزء معناه ، لأن حرف المضارعة منها يدل على الفاعل المتكلم وحده والمتكلم ومعه غيره ، والمخاطب منها ونفس الكلمة تدل على الحدث والزمان ، ومفرد عند النحويين ، لأنه لفظ بكلمة واحدة .
أما " يقوم " بالغيبة ، ففيه قولان عند المنطقيين ، فقيل : هو مفرد ، وقيل : هو مركب ، ونقل عن ، والصحيح عند المتأخرين : أنه مركب كسائر الأفعال المضارعة ، وإنما قالوا : حين هو جزؤه ليحترزوا من مثل أبكم ، وإنسان ، فإن كل واحد من جزئه يدل على معنى لكن لا على جزء مسماه حين هو جزؤه ، وإنما يدل على معنى في الجملة ، ألا ترى أن " الأب " اسم للوالد " ، و " كم " اسم للعدد ؟ لكن لا من حيث إن كل واحد من اللفظين جزء من الآخر حين هو جزؤه ، وكذلك : إنسان ، ألا ترى أن " إن " حرف شرط يدل على الشرطية ؟ لكن لا من حيث هي جزء " إن " . وزعم ابن سينا وتبعه الزمخشري ابن يعيش في أول شرح المفصل وابن إياد [ ص: 283 ] أن الرجل مركب فإنه يدل على معنيين التعريف والمعرف ، وهو من جهة النطق لفظة واحدة وكلمتان ، وكذلك " ضربا " و " ضربوا " ، قال الزنجاني في الهادي : وهذا غلط ، لأن الرجل ونظائره لفظتان لا لفظة واحدة ، ثم ينتقض ما ذكره بنحو " ضرب " ، فإنه يدل على معنيين الحدث والزمان ، وأنه كلمة باتفاق .
قلت : لعل بناه أن المعرف اللام وحدها ، وحينئذ فهي لفظة واحدة ، واللام كالتنوين في زيد ، فإن قلنا : إن المعرف " أل " فهو لفظتان لإمكان التلفظ بها وحدها . الزمخشري
والحاصل : أن أمثلة المضارع خلا الغائب مركبات قطعا ، وأمثلة الماضي مفردات قطعا ، وأمثلة الأوامر مركبات عند المنطقيين وصرح ابن مالك في أول شرح التسهيل بأن " ياء " النسب ، و " ألف " ضارب " وميم " مكرم ، يدل على معنى ، ولكن لا بالوضع وقال : المجموع هو الدال على شخص مسمى بذلك ، لا أن الحرف دل بنفسه . ومأخذ الخلاف بينهم أن النحاة يترجح نظرهم في جانب الألفاظ ، وأولئك يترجح نظرهم في جانب المعاني ، وعلى هذا " عبد الله " ونحوه ، إن أريد به العلمية كان مفردا بمثابة زيد وعمرو ، لأن جزأها لا يدل على معناها ، وإن أريد به نسبة العبودية إلى مستحقها ، فهي مركبة ، لدلالة جزئها على جزء معناها . [ ص: 284 ] ابن الساعاتي
وقد اجتمع الأمران في حديث رواه الإمام في مسنده ، فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : { زيد بن أسلم يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه وعليه إزار يتقعقع ، يعني جديدا ، فقال : من هذا ؟ فقلت : ابن عمر عبد الله فقال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، قال : فرفعته وكان طويلا } . كان
فقول : ابن عمر عبد الله ، يعني أنا عبد الله فهو مفرد ، لأنه أراد العلمية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن كنت عبد الله ) فهو مركب تركيبا إضافيا ، لأن مراده نسبة العبودية إلى الله ، فالإفراد العلمي طار على التركيب الإضافي ، وهو يلوح فيه .
ويقال للمركب : مؤلف لا فرق بينهما عند المحققين كما قاله الأصفهاني ، ومنهم من فرق بينهما بأن المركب ما دلت أجزاؤه إذا انفردت ، ولا تدل إذا كانت أجزاء كعبد الله ، فإنه إذا كان علما كان بمنزلة زيد ، فلا تدل أجزاؤه في هذه الحالة على شيء ، ولو انفردت الأجزاء كانت دالة ، لأن عبدا دل على ذات اتصفت بالعبودية ، والمؤلف ما دلت الأجزاء في حال البساطة وحال التركيب ، كقولنا : الإنسان حيوان ، فإن كل واحد من هذه الأجزاء يدل إذا انفرد ، وإذا كان جزءا