وطرق العلم على المشهور منحصرة في ثلاثة : عقل وسمع وحس ، وعنوا بالحس علوم الإدراكات والعادات ، واضطربوا في علوم الإلهام والتوسم والمحادثة . قال الغزالي : لعلهم عنوا بالإلهام أن العلوم كلها ضرورية مخترعة لله تعالى ابتداء ، وقال : ينحصر في الحس والاستدلال . قال : والسمع داخل في جملة علوم الحس ; لأن المسموع محسوس ، ثم معرفة حقيقة صوابه وخطئه تدرك بالاستدلال . ونقل عن بعض الأوائل حصرها في الحس . قال القفال الشاشي ابن القشيري : وهو غلط في النقل عنهم بل مذهبهم أن المعلوم ما يتشكل في الحواس ، وما لا يتشكل ، ويفضي إليه نظر العقل ، فهو معقول ، فاصطلحوا على الفرق بين المعلوم والمعقول ، فتوهم من سمعهم يقولون : لا معلوم إلا المحسوس أنه لا يعلم شيء إلا بالحس ، وتوهم من قولهم : إن النظريات معقولات أنه لا يعلم شيء إلا بالنظر [ ص: 88 ] واختلف قول الأشعري في إدراك الحواس هل هو من قبيل العلوم ؟ وآخر قوليه أنه ليس منها . وهو اختيار القاضي وإمام الحرمين ، وأطلقوا الخلاف . ولا شك أن هناك ثلاثة أمور : أحدها : إدراك الحس المحسوس . والثاني : العلم بالمحسوس . والثالث : العلم بعلوم أخرى تنشأ عن المحسوس . والرابع : لا إشكال في أنه علم ، وهو مخالف للأول قطعا . وهل الثاني يخالف الأول أو هما شيء واحد ؟ هذا محل الخلاف . ثم اختلف في هذا الخلاف ، فقال أبو القاسم الإسكاف إنه لفظي ، وإن الفريقين على أن المدرك والمعلوم واحد ، والإدراك والعلم بالمدرك مختلفان . وقال تلميذه إمام الحرمين : إنه معنوي على القول بالأحوال كما أن العلم القديم والحادث يجمعهما حقيقة واحدة مع القطع باختلافهما ، وحكى القرافي قولين في أن الإدراك للحواس أو للنفس بواسطة الحواس ؟ . وقال الأستاذ أبو إسحاق في شرح الترتيب : الذي قاله الشيخ أبو الحسن ونرتضيه أن جملة الطرق التي يدرك بها العلوم الضرورية والاستدلالية تنحصر في أدلة خمسة : العقول ، والكتاب والسنة ، [ ص: 89 ] والإجماع والقياس . قال : ولا عبرة بما يطلبه المنجمون من معرفة الأشياء بذهاب الشمس ، والقمر ، ونجم كذا .