مسألة المباح من الشرع
المباح من الشرع
وقد ذهب بعض المعتزلة إلى أنه ليس من الشرع ، إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك وذلك ثابت قبل السمع ، فمعنى إباحة الشرع شيئا أنه تركه على ما كان عليه قبل ورود السمع ولم يغير حكمه وكل ما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقي على النفي الأصلي فعبر عنه بالمباح وهذا له غور . وكشف الغطاء عنه أن قسم بقي على الأصل فلم يرد فيه من الشرع تعرض لا بصريح اللفظ ولا بدليل من أدلة السمع فينبغي أن يقال استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه حكم . الأفعال ثلاثة أقسام
وقسم صرح الشرع فيه بالتخيير وقال إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه فهذا خطاب والحكم لا معنى له إلا الخطاب ولا سبيل إلى إنكاره وقد ورد . وقسم ثالث لم يرد فيه خطاب بالتخيير لكن دل دليل السمع على نفي الحرج عن فعله وتركه فقد عرف بدليل السمع ، ولولا هذا الدليل لكان يعرف بدليل العقل نفي الحرج عن فاعله وبقاؤه على النفي الأصلي ; فهذا فيه نظر إذا اجتمع عليه دليل العقل والسمع ، وفي الطرفين الآخرين أيضا نظر إذ يمكن أن يقال قول الشارع إن شئت فقم وإن شئت فاقعد ليس بتجديد حكم هو تقرير للحكم السابق .
ومعنى تقريره أنه ليس بغير أمره بل يتركه على ما هو عليه ، فليس ذلك أمرا حادثا بالشرع فلا يكون شرعيا . وأما الطرف الآخر وهو الذي لم يرد فيه خطاب ولا دليل فيمكن أيضا إنكاره بأن يقال قد دل السمع على أن ما لم يرد فيه طلب ولا طلب ترك ، فالمكلف فيه مخير .
وهذا دليل على العموم فيما لا يتناهى من الأفعال ، فلا يبقى فعل إلا مدلولا عليه من جهة الشرع فتكون إباحته من الشرع وإلا عورض أن الإباحة من جهة الشرع تقرير لا تغيير ، وليس مع التقرير تجديد أمر بل بيان أنه لم يجدد فيه أمرا بل كف عن التعرض له . وسيأتي لهذا تحقيق في مسألة إقامة الدليل على النافي .