مسألة المندوب مأمور به
المندوب مأمور به
وإن لم يكن المباح مأمورا به ; لأن الأمر اقتضاء وطلب والمباح غير مقتضى . أما المندوب فإنه مقتضى لكن مع إسقاط الذم عن تاركه ، والواجب مقتضى لكن مع ذم تاركه إذا تركه مطلقا أو تركه وبدله وقال قوم : المندوب غير داخل تحت [ ص: 61 ] الأمر . وهو فاسد من وجهين : أحدهما : أنه شاع في لسان العلماء أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر استحباب وما شاع أنه ينقسم إلى أمر إباحة وأمر إيجاب مع أن صيغة الأمر قد تطلق لإرادة الإباحة كقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } والثاني : أن فعل المندوب طاعة بالاتفاق .
وليس طاعة لكونه مرادا إذ الأمر عندنا يفارق الإرادة . ولا لكونه موجودا أو حادثا أو لذاته أو صفة نفسه ، إذ يجري ذلك في المباحات . ولا لكونه مثابا عليه ، فإن المأمور وإن لم يثب ولم يعاقب إذا امتثل كان مطيعا . وإنما الثواب للترغيب في الطاعة ; ولأنه قد يحبط بالكفر ثواب طاعته ولا يخرج عن كونه مطيعا .
فإن قيل : الأمر عبارة عن اقتضاء جازم لا تخيير معه والندب مقرون بتجويز الترك والتخيير فيه ، وقولكم إنه يسمى مطيعا يقابله أنه لو ترك لا يسمى عاصيا . قلنا : الندب اقتضاء جازم لا تخيير فيه ; لأن التخيير عبارة عن التسوية فإذا رجح جهة الفعل بربط الثواب به ارتفعت التسوية والتخيير ، وقد قال تعالى في المحرمات أيضا { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } فلا ينبغي أن يظن أن الأمر اقتضاء جازم بمعنى أن الشرع يطلب منه شيئا لنفسه بل يطلب منه لما فيه من صلاحه ، والله تعالى يقتضي من عباده ما فيه صلاحهم ولا يرضى الكفر لهم ، وكذلك يقتضي الندب لنيل الثواب ، ويقول : الفعل والترك سيان بالإضافة إلي أما في حقك فلا مساواة ولا خيرة إذ في تركه ترك صلاحك وثوابك ، فهو اقتضاء جازم .
وأما قولهم : إنه لا يسمى عاصيا ، فسببه أن العصيان اسم ذم وقد أسقط الذم عنه ، نعم يسمى مخالفا وغير ممتثل كما يسمى فاعله موافقا ومطيعا