الفصل السابع في الحقيقة والمجاز
الحقيقة والمجاز
اعلم أن اسم الحقيقة مشترك ، إذ قد يراد به ذات الشيء وحده ويراد به حقيقة الكلام ; ولكن إذا استعمل في الألفاظ أريد به ما استعمل في موضوعه . والمجاز ما استعملته العرب في غير موضوعه وهو ثلاثة أنواع : الأول ما استعير للشيء بسبب المشابهة في خاصية مشهورة كقولهم للشجاع أسد وللبليد حمار ، فلو سمي الأبخر أسدا لم يجز لأن البخر ليس مشهورا في حق الأسد الثاني : الزيادة ، كقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } فإن الكاف وضعت للإفادة ، فإذا استعملت على وجه لا يفيد كان على خلاف الوضع الثالث : النقصان الذي لا يبطل التفهيم ، كقوله عز وجل { واسأل القرية } والمعنى : واسأل أهل القرية . وهذا النقصان اعتادته العرب فهو توسع وتجوز .
وقد يعرف المجاز بإحدى علامات أربع الأولى : أن الحقيقة جارية على العموم في نظائره ، إذ قولنا عالم لما عني به ذو علم صدق على كل ذي علم وقوله { واسأل القرية } يصح في بعض الجمادات لإرادة صاحب القرية ، ولا يقال : سل البساط والكوز ، وإن كان قد يقال سل الطلل والربع لقربه من المجاز المستعمل . الثانية : أن يعرف بامتناع الاشتقاق عليه ، إذ الأمر إذا استعمل في حقيقته اشتق منه اسم الآمر وإذا استعمل في الشأن مجازا لم يشتق منه آمر ، والشأن هو المراد بقوله تعالى { وما أمر فرعون برشيد } وبقوله تعالى : { إذا جاء أمرنا } الثالثة : أن تختلف صيغة الجمع على الاسم فيعلم أنه مجاز في أحدهما ، إذ الأمر الحقيقي يجمع على أوامر ، وإذا أريد به الشأن يجمع على أمور . الرابعة : أن الحقيقي إذا كان له تعلق بالغير ، فإذا استعمل فيما لا تعلق له به لم يكن له متعلق كالقدرة إذا أريد بها الصفة كان لها مقدور ، وإن أريد بها المقدور كالنبات الحسن العجيب ، إذ يقال : انظر إلى قدرة الله تعالى أي إلى عجائب مقدوراته ، لم يكن له متعلق ، إذ النبات لا مقدور له . واعلم أن كل مجاز فله حقيقة .
وليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز ، بل ضربان من الأسماء لا يدخلهما المجاز ، الأول : أسماء الأعلام نحو زيد وعمرو ; لأنها أسام وضعت للفرق بين الذوات لا للفرق في الصفات . نعم الموضوع للصفات قد يجعل علما فيكون مجازا ، كالأسود بن الحارث إذ لا يراد به الدلالة على الصفة مع أنه وضع له فهو مجاز .
أما إذا قال : قرأت المزني وهو يريد كتابيهما فليس ذلك إلا كقوله تعالى : { وسيبويه واسأل القرية } فهو على طريق حذف اسم الكتاب ، معناه : قرأت كتاب ، فيكون في الكلام مجاز بالمعنى الثالث المذكور للمجاز الثاني : الأسماء التي لا أعم منها ولا أبعد ، كالمعلوم والمجهول والمدلول والمذكور ، إذ لا شيء إلا وهو حقيقة فيه فكيف يكون مجازا عن شيء ؟ هذا تمام المقدمة . المزني