مسألة إذا ، خلافا اتفق التابعون على أحد قولي الصحابة لم يصر القول الآخر مهجورا ولم يكن الذاهب إليه خارقا للإجماع وجماعة من أصحاب للكرخي أبي حنيفة وكثير من والشافعي القدرية كالجبائي وابنه ; لأنه ليس مخالفا لجميع الأمة ، فإن الذين ماتوا على ذلك المذهب هم من الأمة ، والتابعون في تلك المسألة بعض الأمة ، وإن كانوا كل الأمة . فمذهبهم باختيار أحد القولين لا يحرم القول الآخر .
فإن صرحوا بتحريم القول الآخر فنحن بين أمرين : إما أن نقول هذا محال وقوعه ; لأنه يؤدي إلى تناقض الإجماعين ، إذ مضت الصحابة [ ص: 156 ] مصرحة بتجويز الخلاف وهؤلاء اتفقوا على تحريم ما سوغوه . وإما أن نقول إن ذلك ممكن ولكنهم بعض الأمة في هذه المسألة ، والمعصية من بعض الأمة جائزة ، وإن كانوا كل الأمة في كل مسألة لم يخض الصحابة فيها ، لكن هذا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم : { } إذ يكون الحق قد ضاع في هذا الزمان ، فلعل من يميل إلى هذا المذهب يجعل الحديث من أخبار الآحاد . لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين
فإن قيل : بم تنكرون على من يقول : هذا إجماع يجب اتباعه ؟ وأما الصحابة فقد اتفقوا على قولين بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في أحدهما . قلنا : هذا تحكم واختراع عليهم ، فإنهم لم يشترطوا هذا الشرط والإجماع حجة قاطعة فلا يمكن الشرط في الحجة القاطعة ، إذ يتطرق الاحتمال إليه ويخرج عن كونه قاطعا . ولو جاز هذا لجاز أن يقال : إذا أجمعوا على قول واحد عن اجتهاد فقد اتفقوا بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في خلافه ، وقد مضت الصحابة متفقة على تسويغ كل واحد من القولين فلا يجوز خرق إجماعهم .