( فوائد ) تتعلق بتفسير بعض ألفاظ اصطلح عليها أهل الأصول والجدل ، الأولى ( المناط ) وهو مفعل من ناط نياطا ، أي علق ، فهو ما نيط به الحكم ، أي علق به ، وهو العلة التي رتب عليها الحكم في الأصل . يقال : نطت الحبل بالوتد أنوطه نوطا : إذا علقته ، ومنه : " ذات أنواط " ، شجرة كانوا في الجاهلية يعلقون فيها سلاحهم وقد ذكرت في الحديث . إذا تقرر هذا : : تخليصه وتهذيبه ، يقال : نقحت العظم : إذا استخرجت مخه وتخريجه : استنباطه ، أي استخراج متعلق الحكم . وهو إضافة حكم لم يتعرض الشرع لعلته إلى [ ص: 532 ] وصف مناسب في نظر المجتهد بالسبر والتقسيم ( وتحقيقه ) أي فالمناط ( متعلق الحكم ) وتنقيحه ( إثبات العلة في آحاد صورها ) بالنظر والاجتهاد في معرفة وجودها في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها ( فإن علمت العلة بنص ) كجهة القبلة التي هي مناط وجوب استقبالها المشار إليه . بقوله تعالى { تحقيق المناط وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } وكالإشهاد المشار إليه بقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ( أو ) علمت العلة ب ( إجماع ) كتحقيق المثل في قوله تعالى { فجزاء مثل ما قتل من النعم } فجهة القبلة : مناط وجوب استقبالها ومعرفتها عند الاشتباه : مظنون ، والعدالة : مناط قبول الشهادة ، ومعرفتها في الشخص المعين : مظنونة ، وكالمثل في جزاء الصيد ، أو استنباط كالشدة المطربة التي هي مناط تحريم شرب الخمر ( احتج به ) قال ابن قاضي الجبل وغيره : ولا نعرف خلافا في صحة الاحتجاج به ، إذا كانت العلة معلومة بالنص أو الإجماع ، إنما الخلاف فيما إذا كان مدرك معرفتها الاستنباط .
وذكر الموفق والفخر والطوفي من جملة تحقيق المناط : اعتبار العلة المنصوص عليها في أماكنها ، كقوله صلى الله عليه وسلم { } فيعتبر الأمر في كل طائف . قال إنها من الطوافين عليكم : وهو قياس جلي ، أقر به جماعة [ ممن ينكر القياس ] . قال الموفق ابن قاضي الجبل : وليس ذلك قياسا للاتفاق عليه من منكري القياس . قال البرماوي : نعم ، فيه أقوال . ثالثها : الفرق بين أن تكون العلة وصفا شرعيا ، فيكتفى فيه بالظن . أو حقيقيا أو عرفيا فيشترط القطع بوجوده . قال : وهذا أعدل الأقوال . انتهى . هل يشترط القطع بتحقيق المناط . أم يكتفى بالظن ؟
إذا تقرر هذا : فتخريج المناط : استخراج وصف مناسب يحكم عليه بأنه علة ذلك الحكم . وتنقيحه : أن يبقى من الأوصاف ما يصلح ، ويلغى بالدليل ما لا يصلح . وتحقيقه : أن يجيء إلى وصف دل على عليته نص أو إجماع أو غيرهما من الطرق ، ولكن يقع الاختلاف في وجوده في صورة النزاع فيحقق وجودها فيه ومناسبة التسمية في الثلاثة ظاهرة ; لأنه أولا استخرجها من منصوص في حكم من غير نص على علته ، ثم جاء في أوصاف قد ذكرت في التعليل فنقح النص ، ونحوه في [ ص: 533 ] ذلك ، وأخذ منه ما يصلح علة ، وألغى غيره . ثم لما نوزع في كون العلة ليست في المحل المتنازع فيه بين أنها فيه ، وحقق ذلك . والله أعلم .