( والمناسب ) هو الوصف المعلل به ، ولا بد أن يعلم من الشارع التفات إليه ، ويظهر ذلك بتقسيم المناسب . وهو : مؤثر ، وملائم ، وغريب ، ومرسل . وهو ثلاثة أنواع : مرسل ملائم ، ومرسل غريب ، ومرسل ثبت إلغاؤه ; لأن الوصف المناسب إما أن يعلم أن الشرع اعتبره ، أو يعلم أنه ألغاه ، أو لا يعلم أنه اعتبره ولا ألغاه . والمراد بالعلم هنا : ما هو أعم من اليقين والظن . ينقسم إلى أربعة أقسام
إذا تقرر هذا فالقسم الأول ( مؤثر إن اعتبر ) من قبل الشرع ( بنص ) كتعليل الحدث بمس الذكر ( أو ) اعتبر ب ( إجماع ) كتعليل ولاية المال بالصغر . فالأول : اعتبر عينه في عين الحكم ، وهو الحدث ، لحديث { } وأما الثاني : فإنه اعتبر عين الصغر في عين الولاية في المال بالإجماع . وسمي هذا القسم مؤثرا ; لحصول التأثير فيه عينا وجنسا ، فظهر تأثيره في الحكم ( و ) القسم الثاني ( ملائم إن اعتبر بترتب الحكم على الوصف فقط ، إن ثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم ، أو بالعكس ، أو جنسه في جنس الحكم ) وسمي ملائما لكونه موافقا لما اعتبره الشارع ، وهو ثلاثة أنواع . مثال ما اعتبر الشارع عين الوصف في جنس الحكم من الملائم : امتزاج النسبين في الأخ من الأبوين ، اعتبر تقديمه على الأخ من الأب في الإرث ، وقسنا عليه تقديمه في ولاية النكاح وغيرها من الأحكام التي قدم عليه فيها ; فإنه - وإن لم يعتبره الشارع في غير هذه الأحكام - لكن اعتبره في جنسها ، وهو التقدم في الجملة . من مس ذكره فليتوضأ
ومثال ما اعتبر فيه جنس الوصف في عين الحكم ، عكس الذي قبله : منه المشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط القضاء ، فإن الشارع اعتبرها في عين سقوط القضاء في الركعتين من الرباعية ، فسقط بها القضاء في صلاة الحائض قياسا ، وإنما جعل الوصف هنا جنسا ، والإسقاط [ ص: 525 ] نوعا ; لأن مشقة السفر نوع مخالف لمشقة الحيض . وأما السقوط : فأمر واحد ، وإن اختلفت محاله .
ومثال ما اعتبر جنس الوصف في جنس الحكم منه : ما روي عن رضي الله عنه في شارب الخمر أنه " إذا شرب هذى ، وإذا هذى افترى ، فيكون عليه حد المفتري " أي القاذف . ووافقه الصحابة عليه ، فأوجبوا حد القذف على الشارب ، لا لكونه شرب ، بل لكون الشرب مظنة القذف ، فأقاموه مقام القذف قياسا على إقامة الخلوة بالأجنبية مقام الوطء في التحريم ، لكون الخلوة مظنة له ، فظهر أن الشارع إنما اعتبر المظنة التي هي جنس لمظنة الوطء ، ومظنة القذف في الحكم الذي هو جنس لإيجاب حد القذف وحرمة الوطء . عمر
وقال ابن مفلح وغيره : الأول كالتعليل بالصغر في قياس النكاح على المال في الولاية ، فإن الشرع اعتبر عين الصغر في عين ولاية المال به ، منبها على الصغر ، وثبت اعتبار عين الصغر في جنس حكم الولاية إجماعا . والثاني : كالتعليل بعذر الحرج في قياس الحضر بعذر المطر على السفر في الجمع . فجنس الحرج معتبر في عين رخصة الجمع إجماعا . والثالث : كالتعليل بجناية القتل العمد العدوان في قياس المثقل على المحدد في القصاص ، فجنس الجناية معتبر في جنس قصاص النفس ; لاشتماله على قصاص النفس وغيرها كالأطراف . انتهى .
والقسم الثالث : الغريب ، وهو المشار إليه بقوله ( وإلا فغريب ) يعني وإن لم يعتبر ترتب الحكم على الوصف بنص أو إجماع ، فيسمى غريبا . مثال ذلك : التعليل بالإسكار في قياس النبيذ على الخمر بتقدير عدم نص بعلية الإسكار ، فعين الإسكار معتبر في عين التحريم بترتيب الحكم عليه فقط ، كاعتبار جنس المشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في جنس التخفيف . وهذا المثال دون ما قبله ; لرجحان النظر باعتبار الخصوص ، لكثرة ما به الاختصاص . قاله ابن مفلح والأصفهاني . وسمي غريبا ; لأنه لم يشهد له غير أصله بالاعتبار ، كالطعم في الربا ، فإن نوع الطعم مؤثر في حرمة الربا ، وليس جنسه مؤثرا في جنسه .
قاله البرماوي . وهذا التشبيه إنما يجري على قواعد من يقول : إن علة الربا الطعم . والله أعلم ( وكل ) قسم ( من ) هؤلاء الأقسام ( الثلاثة حجة ) ومنع والحنفية [ ص: 526 ] كون الغريب حجة ( وإن اعتبر الشارع جنسه ) أي جنس الوصف ( البعيد في جنس الحكم ف " مرسل ملائم " ) مثال ذلك : تعليل تحريم قليل الخمر بأنه يدعو إلى كثيرها . فجنسه البعيد معتبر في جنس الحكم ، كتحريم الخلوة بتحريم الزنا . أبو الخطاب
( وليس ) المرسل الملائم ( بحجة ) ، ( وإلا ) أي وإن لم يعتبر الشارع جنس الوصف البعيد في جنس الحكم فنوعان ، أحدهما : ما أشير إليه بقوله ( فمرسل غريب ) مثال ذلك : التعليل بالفعل المحرم لغرض فاسد في قياس بات الطلاق في مرضه على القاتل في الحكم بالمعارضة بنقيض مقصوده ، فصار توريث المبتوتة كحرمان القاتل . وإنما كان " غريبا مرسلا " ; لأنه لم يعتبر الشارع عين الفعل المحرم لغرض فاسد في عين المعارضة بنقيض المقصود ، بترتيب الحكم عليه ، ولم يثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في جنس المعارضة بنقيض المقصود ولا جنسه في عينها ، ولا جنسه في جنسها ، والجمهور على منعه .
والنوع الثاني : ما أشير إليه بقوله ( أو مرسل ثبت إلغاؤه ) وهو الذي علم من الشارع إلغاؤه ، مع أنه مستحيل المناسبة ، ولا يجوز التعليل به . وذلك كإيجاب صوم شهرين ابتداء في الظهار ، أو الوطء في رمضان على من يسهل عليه العتق ، كما أفتى به صاحب يحيى بن يحيى بن كثير الليثي الإمام مالك إمام أهل الأندلس الأمير عبد الرحمن بن الحكم الأموي ، المعروف بالمرتضى صاحب الأندلس ( وهما ) أي المرسل الغريب ، والمرسل الذي ثبت إلغاؤه ( مردودان ) أما الأول : فعند الجمهور . وأما الثاني : فبالاتفاق .