، و ) يقال ( الإخالة ) ( واستخراجها ) أي استخراج العلة بذلك ( يسمى تخريج المناط ) لما فيه من ابتداء ما نيط به الحكم ، أي علق عليه ( وهو ) أي تخريج المناط ( تعيين علة الأصل بإبداء المناسبة من ذات الوصف ) يعني أن يكون الأصل مشتملا على وصف مناسب للحكم ، فيحكم العقل بوجود تلك المناسبة : أن ذلك الوصف هو علة الحكم كالإسكار للتحريم ، والقتل العمد العدوان للقصاص ( والمناسبة ) هنا ( لغوية ) بخلاف المعرف ، وهو المناسبة ، فإنها بالمعنى الاصطلاحي ، حتى لا يكون تعريفا للشيء بنفسه ( والمناسب : ما تقع المصلحة عقبه ) قال في الروضة : ومعنى المناسب أن يكون في إثبات الحكم عقبه مصلحة ( وزيد لرابط ما عقلي ) قال ( الرابع ) من مسالك العلة ( المناسبة الطوفي في مختصره : المناسب : هو ما تتوقع المصلحة عقبه لرابط ما عقلي . وقال في شرحه : اختلف في تعريف المناسب ، واستقصاء القول فيه من المهمات ; لأن عليه مدار الشريعة ، بل مدار الوجود ، إذ لا وجود إلا وهو على وفق المناسبة العقلية ، لكن أنواع المناسبة تتفاوت في العموم والخصوص ، والخفاء ، والظهور ، فما خفيت عنا مناسبته سمي تعبدا ، وما ظهرت مناسبته سمي معللا ، فقولنا : المناسب ما تتوقع المصلحة عقبه ، أي إذا وجد أو إذا سمع : أدرك العقل السليم كون ذلك الوصف سببا مفضيا إلى مصلحة من المصالح لرابط ما من الروابط العقلية بين تلك المصلحة وذلك الوصف ، وهو معنى قولي " لرابط ما عقلي " مثاله : إذا قيل : المسكر حرام ، أدرك العقل أن تحريم السكر مفض إلى مصلحة ، وهي حفظ العقل من الاضطراب . وإذا قيل : القصاص مشروع ، أدرك العقل أن مشروعية القصاص سبب مفض إلى مصلحة ، وهي حفظ النفوس . ثم قال قلت : لرابط عقلي ، أخذا من النسب الذي هو القرابة ، فإن المناسب هنا مستعار ومشتق من ذلك ، ولا شك أن المتناسبين في باب النسب ، كالأخوين وابني العم ونحوه ، [ ص: 520 ] إنما كانا متناسبين لمعنى رابط بينهما ، وهو القرابة . فكذلك الوصف المناسب هنا لا بد أن يكون بينه وبين ما يناسبه من المصلحة رابط عقلي وهو كون الوصف صالحا للإفضاء إلى تلك المصلحة ا هـ .
( ويتحقق الاستقلال ) على أن الوصف الذي أبداه هو العلة ( بعدم ما سواه ب ) طريق ( السبر ) ولا يكفي أن يقول : بحثت فلم أجد غيره ، وإلا يلزم الاكتفاء به ابتداء ، ولا قائل به ، بخلاف ما سبق في طريق السبر والتقسيم ، فإنه يكتفى بذلك ; لأن المدار هناك على الحصر ، فاكتفي فيه بقوله : بحثت فلم أجد غيره .
وهنا على أنه ظفر بوصف مناسب ، فافترقا ( و ) المعنى ( المقصود من شرع الحكم ) : ( قد يعلم حصوله ) يقينا ( كبيع ) فإنه إذا كان صحيحا حصل منه الملك الذي هو المقصود ( أو ) قد ( يظن ، كقصاص ) فإن حصول الانزجار عن القتل ليس قطعيا ، بدليل وجود الإقدام مع علمهم بأن القصاص مشروع ( أو ) قد ( يشك فيه ) بأن يتساوى حصول المقصود وعدم حصوله ، فلا يوجد يقين ولا ظن ، بل يكونان متساويين . قال صاحب البديع : ولا مثال له على التحقيق ، ويقرب منه ما مثل به من حد شارب المسكر لحفظ العقل ; فإن المقدمين كثير ، والمجتنبين كثير ، فتساوى المقصود وعدمه فيه . ولهذا مثله في الأصل بقوله ( كحد خمر ) ، ( أو ) قد ( يتوهم ) حصوله ، بأن يكون عدم حصول المقصود أرجح من حصوله ( كنكاح آيسة ) من الحيض ( للتوالد ) ; لأنه مع إمكانه عقلا بعيد عادة . وقيل : لا يعلل بما قد يشك فيه أو يتوهم . والأظهر : بلى ، اتفاقا إن ظهر المقصود . في غالب صور الجنس ، وإلا فلا . لاحتمال الترتب وعدمه سواء ، أو عدمه أرجح وفي الفنون وغيره : السفر مشقة عامة ، ويختلف قدرها . ولذا تحسن التهنئة بالقدوم للجميع ، كالمرضى بالسلامة ( ولو فات ) المقصود ( يقينا ، كلحوق نسب مشرقي بمغربية ونحوه لم يعلل به ) عند الجمهور ، وخالف في ذلك الحنفية ، فيلحق عندهم النسب لو تزوج بطريق التوكيل مشرقي بمغربية ، فأتت بولد ، مع القطع بانتفاء اجتماعهما ; لاقتضاء الزواج ذلك في الأغلب حفظا للنسب . ابن الحاجب